الجمهورية
على هاشم
هل يتحمل الأغنياء والحكومة نصيبهم العادل في فاتورة الإصلاح..؟!
* ألم يكن من السهل علي الرئيس السيسي أن يؤثر السلامة ويبتعد عن المغامرة بشعبيته. ويمتنع عن إصدار القرارات الإصلاحية الأخيرة. وأن يغازل الشعب بإجراءات مغايرة أو بكلام معسول كما فعل غيره من قبل.. والسؤال بصورة أخري لماذا اقتحم الرئيس مشكلات مزمنة معقدة تهربت منها حكومات متعاقبة علي مدي أكثر من 50 عامًا. حتي وصلت بلادنا لما هي فيه من أحوال اقتصادية متردية بلغت حدًا لم يعد ممكنا الاستمرار معه.
والسؤال: هل ما يثار من جدل أو حتي اعتراض علي القرارات الاقتصادية الأخيرة يتعلق بتوقيت تلك القرارات أم بنوعيتها أم تأخرها علي النحو الذي يجعلها أكثر صعوبة ومشقة علي الناس.. ثم وهذا هو الأهم هل يملك المعارضون أو الرافضون لتلك القرارات حلولاً بديلة قابلة للتطبيق ومؤدية إلي إصلاح وضع بات من المستحيل بقاؤه علي ما كان عليه قبل هذه القرارات.. وإذا لم يكن لدي هؤلاء المعارضين بدائل عملية فلماذا الإصرار علي الرفض والانتقاد وإثارة الشارع ونشر الإحباط والاحتقان والغضب..؟!
ما من شك أن القرارات الأخيرة بدءًا بتعويم الجنيه وحتي خفض الدعم المقدم للمحروقات تأخرت كثيرًا» ومن ثم ستكون أشد وطأة عما لو كانت اتخذت في وقتها. ولم تتهرب منها حكومات سابقة ارتعشت أياديها في إصلاح أو هيكلة الدعم. مثلما فعلت دول عديدة سبقتنا إلي تلك الإصلاحات. ونجحت في الخروج من عنق الزجاجة بينما تعثرت دول أخري رغم أن القرارات واحدة في الحالتين. سواء تمت بضغوط من صندوق النقد الدولي أو بإرادة وطنية مستقلة مثلما قال رئيس وزرائنا الذي أكد إن مصر أخذت بزمام المبادرة لإصلاح اقتصادها بإرادة وطنية خالصة ودون ضغوط أو إملاءات من أحد. ولم تلجأ للمسكنات التي طالما لجأت إليها حكومات سابقة.
لم يقبل الرئيس السيسي أن يغرق الاقتصاد المصري في مزيد من الأزمات والاختلالات كما هو الحال الآن حتي يدخل عتبة الإفلاس. ونجد أنفسنا في مواجهة اللادولة. وتتحمل الأجيال الحالية والقادمة أيضًا فاتورة كارثية.. لم يعبأ الرئيس بشعبيته ورصيده الجماهيري بل آثر مصلحة الوطن. واتخذ حزمة إجراءات سيتحمل الجميع أعباءها ولو بدرجات متفاوتة وقدرات متباينة أيضًا علي الاحتمال غير عابئ بدعوات الفوضي والهدم التي تتبناها الجماعة الإرهابية وأشياعها ومن يقفون في خندقها كالبرادعي وغيره.
والسؤال هنا أين هي الأحزاب السياسية مما يجري.. وأين مؤسسات المجتمع المدني.. ولماذا يصر بعض النخبة والإعلام علي إشعال الشارع والتجديف ضد مصلحة الوطن تارة بانتقاد قرارات الحكومة دون طرح البدائل المناسبة. وتارة أخري بالمزايدة علي الفقراء وآلامهم.. رغم ما قاله خبراء اقتصاديون عن ضرورة تلك القرارات الاقتصادية في إصلاح الاقتصاد المتدهور.. المدهش أن بعض هؤلاء الرافضين لقرارات الحكومة سبق أن طالبوها باتخاذ مثل تلك الإجراءات الإصلاحية كتحريك أسعار الوقود أو تعويم الجنيه ضبطاً لسوق مصرفية انفلت فيها الدولار لارتفاعات غير مسبوقة جاوزت ال 18 جنيهًا مما دعا الغرف التجارية للإعلان عن وقف الاستيراد لعدم قدرة البعض علي تحمل الفاتورة الباهظة من ارتفاع الأسعار. وما تحمله من مخاطر اقتصادية غير مسبوقة.. فلماذا طالبوها بذلك ثم انقلبوا عليها ؟!
والسؤال لرجال الأعمال والأثرياء أيضًا: ماذا قدمتم لمصر في هذه المرحلة الحرجة.. ألم تعطكم مصر الكثير والكثير حتي أثريتم ثراء فاحشًا.. فمتي تردون جميلها عليكم.. لماذا لم تبادروا بإغاثة ضحايا السيول في رأس غارب مثلاً.. أو تبادروا بإصلاح أحوال مستشفي أبو الريش للأطفال أو غيره.. متي تتحرك ضمائركم لأداء الدور الاجتماعي لرأس المال.. ألا تعلمون أنه ما جاع فقير إلا ببخل غني. وأن الله سائلكم عن الحق المعلوم في أموالكم.. مصداقًا لقوله تعالي ¢ وفي أموالهم حقى معلوم للسائل والمحروم ¢.. وإذا كان هذا بينكم وبين ربكم.. فهل أديتم حقوق الدولة من الضرائب وغيرها أم تهربتم أو تباطأتم في سدادها..ولماذا جاوزت المتأخرات الضريبية عشرات المليارات..؟!
أما الحكومة ووزراؤها: هل اتخذتم ما يلزم من تدابير وإجراءات لإنجاح القرارات الاقتصادية الصعبة.. هل وفرتم البيئة الجاذبة للاستثمار.. هل ساعدتم المصانع المغلقة للبدء في الإنتاج وزيادة الصادرات.. هل تقشفتم في النفقات لتكونوا قدوة للشعب.. هل اتخذتم إجراءات حمائية لطبقة الفقراء التي تتسع يومًا بعد الآخر لتشد إليها أطيافًا كثيرة من الطبقة الوسطي.. هل يكفي مثلاً أن ينزل المحافظون أو رؤساء المدن إلي مواقف الميكروباص لمنع زيادة الأجرة بصورة عشوائية وإلزامهم بزيادة معقولة تتراوح بين 10 و20 % بما يتناسب مع الزيادة الفعلية لأسعار الوقود.. ألم يكن حريًا بالحكومة أن توفر وسائل مواصلات دائمة علي خطوط السير ذاتها بأسعار تنافسية وبهامش ربح مناسب يقدر عليه الفقراء.. وهل يكفي أن تعلن وزارة التموين مثلاً زيادة الدعم التمويني ببضعة جنيهات أو طرح السلع بأسعار مخفضة دون رقابة حقيقية دائمة ومنضبطة للأسواق..أليست هناك حاجة ماسة لضبط كافة عناصر المنظومة الاقتصادية. بدءًا بدعم الفلاح والمنتجين للسلع الاستراتيجية. مرورًا بتقليل الوسطاء بين المنتجين والبائعين. نهاية بوضع هامش ربح استرشادي لكل منتج ليس بتسعيرة جبرية فات أوانها بل بطرح مزيد من السلع المطلوبة في المنافذ التقليدية. واستحداث منافذ جديد. وإحياء نظام التعاونيات لإجبار القطاع الخاص والمحتكرين والمغالين علي الالتزام بالأسعار المناسبة لكل سلعة » وهو ما صرح به رئيس الوزراء لكنه للأسف لم يدخل حيز النفاذ.
للنظام الرأسمالي في كل الدنيا ضوابط والتزامات. أهمها ضبط الأسواق. وتحقيق المنافسة العادلة بشفافية. وعدم ترك القطاع الخاص يتحكم في السوق بمنطق العرض والطلب أو التعطيش والاحتكار والمغالاة في الأسعار بل ثمة هامش ربح منضبط وأسعار حقيقية عادلة للسلع والخدمات علي السواء..أما عندنا في مصر فالأمور لا تزال ضاربة في العشوائية وليس الاحتكار إلا شكلاً من أشكال الفساد الكبير في الاقتصاد.. ذلك الاحتكار الذي يوسع الفجوة بين الطبقات فيزداد الأغنياء ثراء والفقراء فقرًا واحتياجًا. ويهدد السلام الاجتماعي ويخصم من رصيد الحكم.. ومن ثم فإن مهمة الحكومة والبرلمان استحداث آليات وتشريعات قادرة علي ضبط السوق من المنبع. والتدخل الفوري بأساليب اقتصادية علمية للسيطرة علي الأسواق بما يحقق العدالة الاقتصادية والإشباع للجماهير. خصوصًا الفقراء المطحونين وما أكثرهم.. دون أن تتركهم فريسة لحزمة الإجراءات الاقتصادية الأخيرة أو للمحرضين عليها. الداعين للخروج علي الدولة ودفع المواطنين للانفجار. وهو ما لا نتمناه لبلدنا الذي لم يعد يحتمل أي اهتزازات جديدة.
وإذا كان الإصلاح الاقتصادي واجبًا علي الدولة فإن حماية الفقراء من آثاره القاسية فريضة علي الحكومة. لا يصح أن تتحلل منها بالاكتفاء بتحميل الناس فاتورة الإصلاح دون إجراءات عملية تضمن نجاح هذه الإصلاحات. وحتي لا نعود إلي مربع الصفر من جديد لعدم اكتمال جوانب الإصلاح ومقوماته.. واجب الحكومة ليس حماية الفقراء فقط بل حماية الطبقة الوسطي الآخذة في الانهيار والتآكل أيضًا. وأن تحاكي تجارب الدول الناجحة اقتصاديًا. وأن تجبر الأغنياء علي تحمل نصيبهم العادل من فاتورة الإصلاح. وألا تأبه بفزاعة هروب الاستثمار التي يرددها المرجفون والمستفيدون من الأوضاع القائمة.
علي الحكومة أن تتحمل نصيبها العادل من الإصلاح هي الأخري. وأن تضاعف الجهد وتذلل عقبات الاستثمار بتشريعات منضبطة وإجراءات إصلاحية تنسف البيروقراطية وتجتث الفساد الإداري من جذوره. علي الحكومة والبرلمان المسارعة لإصدار قانون الضريبة التصاعدية والضريبة علي الثروة وعدم تحميل الفقراء والطبقة الوسطي مزيدًا من الضرائب علي الدخل الذي تراجعت قوته الشرائية بشدة في الآونة الأخيرة. وكفاهم ما أخذ منهم بقانون القيمة المضافة وضريبة الدخل. وعلي الحكومة والبرلمان إعلان خطوات إجرائية وتشريعية ملموسة ومدروسة لقطع الطريق علي المحتكرين والمتاجرين بأقوات الغلابة. وإعادة النظر في الحد الأدني للأجور. والالتزام الصارم بالحد الأقصي. وعدم استثناء أي قطاع بالدولة منه.. وتحسين الخدمات الصحية والتعليم ودعم الطبقة الوسطي منبع الإبداع. وقاطرة أي تقدم. وحمايتها من الفقر الذي أكل قطاعًا لا يستهان به منها.
اقتصادنا في حاجة لإصلاح حقيقي لا يكفي معه إجراءات تقليدية جربناها. ولم تؤت ثمارها المرجوة. اقتصادنا في حاجة لبيئة أكثر شفافية وجذبًا للاستثمار والسياحة وزيادة الصادرات وفتح المصانع المغلقة. ومواجهة التلاعب بالأسعار. ومد مظلة الدعم الحقيقي لمستحقيه.
الأمر أكبر بكثير من أن تتحمله الحكومة وحدها أيا ما تكن قدرتها.. البلد في حاجة لجهود جميع أبنائه.. هذا وقت الأحزاب والمجتمع المدني الرشيد والمفكرين والعلماء والنخبة والإعلام ورجال الأعمال لإعادة التوازن للشارع وتوضيح الحقائق والنقد الهادف ودحض الشائعات التي تبثها الكتائب الالكترونية للجماعة الإرهابية لإصابة الناس بالضيق والغضب اللذين يساعد عليهما للأسف غياب الرؤية السياسية لبعض المسئولين وعدم تحركهم بالجدية اللازمة لملاحقة خطي الرئيس.
لا شك أن الفقراء والبسطاء يتحملون أكثر من غيرهم ثمن القرارات الاقتصادية الصعبة. ورغم ذلك فهم لا يزالون خلف قيادتهم. مؤمنين بأن الخطر لا يزال قائمًا. مدركين عمق رسالة الرئيس ومغزي إصلاحاته لصالح الأجيال القادمة.. لكن لسان حالهم يقول: متي نتنفس الصعداء ومتي نجني ثمار الإصلاح.. ومتي نشعر بأن الأغنياء يتحملون نصيبهم العادل مثلنا..؟!
وإذا كانت قرارات الرئيس شجاعة فإن شجاعة المصريين في تحملها لن تقل أبدًا عن شجاعة الرئيس.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف