نصبح في أكثر لحظات الانتباه حين نغيب ونفعل ما نريد عندما نتوه.. فننسي الحدود التي لابد أن نقف عندها ونخرج عن القاعدة إلي الهوي.. ربما هذا ما حدث لي في الزفة.
هي لحظة من أروع وأمتع ما عشت في حياتي.. وحياة كل أم.. زفاف ابنتي.. صغيرتي آخر عنقودي الجميل فرحة لونها أبيض وملمسها حرير.. وشكلها دانتيل.. ممتدة كذيل فستان تحمله بنات حالمات بليلة.. كالليلة تزينت كل واحدة بأحلي ما عندها.. لففن أجسادهن بثياب مغناطيسية.. تلتقط الإعجاب وتتوق للرفيق.. سلمن شعورهن لمصفف خبير فظهرت تسريحات فيهن من جمعت الشعر للخلف لتبرز الملامح ومن غطت الجبهة بغرة تشير للبدء بالعيون.. صديقات ابنتي والقريبات جميلات وأجمل ما فيهن مين غير بنتي.. وأجمل ما فيكي يا بنتي ان انت في عنيكي نني في حنان الأم.
عن الفرحة
امتداد الفرحة.. استعدادات.. بيت.. ألوان جدران ركن هاديء.. شباك مفتوح علي أمل كبير.. وستايره حرير.. علبة تحمل خاتما بريقه ماس.. والدبلة مستديرة بلا نهاية وخطة شهر يقطر عسلا.. ودعوات علي أوراق محملين برائحة الياسمين.. أشياء قد تختصر في شهر أو سنة.
لكن حلم الأم بدأ من لحظة نطق الطبيب.. جالك بنت.. وكلمة مبروك بالوليدة. تحولها الأم في لحظة إلي عروسه بطرحة وتاج وزغرودة بيوم فرح يشبكون بالدبوس الذهب تعليقه عليها ما شاء الله.. وفي أذنها يضعون الحلق وكلما تجملت تحولت في عين أمها لعروسه رأت علي رأسها الطرحة والتاج فملكة الملكات عروس في يد عريس.. سأهدهدها وأرضعها وأحرسها وادفئها.. وأحميها وألفها بألف لفافة من دموع وابتسامات ورحمة وصبر وتاتا خطي العتبة.. لتصل الحلوة ليوم الفرحة وألبسها الطرحة واقول رب احميها واحرسها وخليها الأحلي من الصورة.. والقلب الذي فاق القالب والحبيب الذي يحتويها بكل حبايبها حتي قطتها الصغيرة.
من الحلم
حلم أم.. كتب الله له أن يتحقق.. وكم أبقيت علي أشياء ليتحقق ولحظة اكتمال الفرحة نفتح اليد لننتشي وتسقط أشياء كنا نمسك بها.. أو نتمسك ترجمتها حرفيا.. وأنا أنزل السلالم خلف عروستي.. ارتجفت أصابعي متعة.. سلمت مشاعري وفتحت يدي وسقط المحمول.. داس المعازيم علي أسماء وصور وعمل وقائمة مواعيد ودعوة سفر وعقود.. أبرمت وتكريمات.. وانجازات وبنود واتفاقيات تحولت إلي قطع من معدن وزجاج تهشم.. وشريحة مهدرة بأيامها ألقي بها العقل الباطن قبل اليد وشطبت الذاكرة علي السطر بأكمله.. لابد أن الجهاز المتحول لألف قطعة سجل علي جزء منه Delete "مسح".
وصلت بابنتي لباب بيتها وحاولت العودة لكن دوخة شديدة اصابتني.. ادخلتني في شبه غيبوبة.
لا.. مفر
درت علي الأطباء.. ثقبوا جسدي بإبر قالوا انها تشفي وهي في الحقيقة تؤلم لا شيء يجدي.. الأشخاص حولي وكأنهم غائبون.. الحركة سكون.. والملامح ممسوحة.. دوار يسقطني أرضا.. علي الأرض وجدت شريحة صغيرة وضعتها في موبايل جديد.. وقمت لأكمل المشوار.