المصريون
جمال سلطان
ترامب الرئيس يعارض ترامب المرشح !
بعد يوم واحد من إعلان فوزه برئاسة أمريكا نشرت الإندبندنت البريطانية خبرا مثيرا عن قيام دونالد ترامب بحذف إساءته للمسلمين من صفحته الرسمية على الانترنت ، وأزال كلامه الذي يتوعد فيه بمنع المسلمين من الهجرة إلى أمريكا ، هذه إشارة أولى إلى أن "ترامب" الرئيس غير "ترامب" المرشح ، فالغوغائية في خطابات الحشد الانتخابي تختلف جوهريا عن رؤية رجل الدولة وسياسات صاحب القرار ، وتأتي هذه الإشارة ترجمة "بسيطة" لما قدمه في خطاب النصر الذي قاله عقب فوزه ، والذي كان أشبه بخطاب اعتذار عن كل "التخبيط" الذي صدر منه في أثناء جولاته الانتخابية ، ضد الأقليات والمهاجرين والمرأة ، وهو ما يكشف عن أن الرهان المبالغ فيه من بعض القوى الإقليمية هنا على مواقف ترامب السياسية هو سابق لأوانه ، ومبالغ فيه . أمريكا منذ إعلان النتائج وحتى الآن تشهد مظاهرات غير مسبوقة رفضا للنتائج ورفضا لأن يكون ترامب رئيسا لأمريكا ، والشعارات المرفوعة بعضها يقترب من الشعارات التي كان المصريون يرفعونها في ثورة يناير ضد مبارك وخاصة الشعار التاريخي : ارحل ، وهناك شعارات توزع على نطاق واسع "ليس رئيسي" ، وهي مظاهرات تتسم بالعصبية والغضب الشديد ، هذا أمر غير مألوف في أمريكا ، كما أن "ترامب" نفسه كان قد دشن تلك المشاعر قبل التصويت حيث رفض التعهد بالاعتراف بنتائج الانتخابات واحترامها ، ورهن ذلك بما سيكون عليه الحال وقتها ، ويبدو أن مظاهرات خصومه أخذت هذا الخيط منه ، وهناك انقسام واضح الآن في المجتمع الأمريكي أعتقد أنه سيكون التحدي الأكثر خطورة لمرحلة رئاسة ترامب ، وهو يحاول علاجه سريعا الآن بتصريحات تصالحية ، خاصة بعد التطور الغريب بمطالبة متظاهرين في كاليفورنيا ـ أغنى ولايات أمريكا ـ باستقلال ولايتهم عن الولايات المتحدة ، وهي دعوى خطيرة ولا يستهان بها إذا تصاعدت عملية تفعيلها ، كما صدرت عن النخبة الأمريكية تصريحات مخيفة هي الأخرى ، وقد نشر المفكر الأمريكي المرموق "توماس فريدمان" مقالا في النيويورك تايمز قال فيه : (أخشى أن يكون فوز ترامب هو بداية الانهيار ، إنها المرة الأولى التي أشعر فيها أنني "مشرد" في بلدي) ، كما انتشرت مقاطع فيديو لإعلاميين في حالة ذهول من النتيجة واعتبارها "جحيما" للأمريكيين أقرب للحلم أو الكابوس . من جديد نؤكد على أن أمريكا ليست من جمهوريات الموز ، فهناك بنية مؤسسية قوية ، ورغم سيطرة الجمهوريين على الكونجرس بغرفتيه : مجلس الشيوخ ومجلس النواب ، إلا أن هذا لا يعني أن ترامب الجمهوري سيكون مطلق اليد في قراراته بدعم غالبية جمهورية ، بل سيكون ذلك قيدا عليه ، لأن غالبية قيادات الحزب لا تثق في قدراته ، وبعضهم أعلن عدم انتخابه علانية وحذر من خطورته وقلة خبرته السياسية ، كما أن الأهم من ذلك أن الجواد الأمريكي الذي يمتطيه ترامب أو أي رئيس أمريكي آخر اليوم ، ليس هو الجواد نفسه الذي كان يفزع العالم ويهزه قبل عشرين أو ثلاثين عاما ، أمريكا اليوم جواد مرهق ومتعب ومثقل بهموم اقتصادية ضخمة ، وشبكة مصالح اقتصادية قلقة ومعقدة حول العالم كافية لاستنزاف أي رئيس ، كما أن التراجع الأمريكي سمح بوجود أكثر من قطب دولي يملك القدرات الاقتصادية والسياسية وحتى العسكرية لتعويض الغياب الأمريكي ، وأصبحت أي دولة مهما كانت صغيرة تملك "بدائل" يمكنها أن تلاعب الأمريكيين بها ، وربما تأتي طبيعة شخصية ترامب والانقسام الأمريكي الحاد تجاهه ليضيف بعدا أكثر صعوبة إلى المشاكل الداخلية التي تستغرق اهتمامات الرئيس الجديد ، وقد وضع على نفسه التزامات في حملته الانتخابية يصعب ، بل يستحيل ، أن يحققها ، سواء على الصعيد الداخلي في دعم الصناعات التقليدية وتجاهل قضايا البيئة وتعديلات دستورية ، أو على الصعيد الدولي حيث توعد باعادة النظر في اتفاقيات مع الجميع ، لو فعلها لفرض عزلة دولية حقيقية على الولايات المتحدة ، ووضعها في صدام مع أهم حلفائها في الاتحاد الأوربي أو الخليج العربي أو اليابان ، فضلا عن الصين . في قضايا الشرق الأوسط لا أتصور أن ترامب يملك الكثير ليضيفه إلى الدور الذي فعله أوباما على مدار ثماني سنوات ، باستثناء مزيد من الدعم للكيان الصهيوني ، وحتى خطوة الاعتراف بالقدس عاصمة للكيان ، والتي وعد بها ، من الصعب أن يقدم عليها ترامب الآن ولا طوال فترة حكمه لأن النيران التي ستولدها يصعب عليه إطفاؤها ، كما أن الملف السوري لن يعرف أسوأ مما فعله أوباما الذي حظر على الثوار امتلاك أسلحة نوعية ونسق الحملات الدموية على الشعب السوري مع الروس ، وفي مصر حيث أزمتها الحقيقية اقتصادية إضافة للانقسام الأهلي ، لا يملك ما يقدمه ، لأن برنامجه أساسا قام على أساس أن يأخذ من الآخرين لا أن يعطي ، والمعونة العسكرية لن تزيد إن لم تقل ، وبخصوص الخليج العربي لا يستطيع ـ ولن يسمح له الجمهوريون ـ أن يعرض مصالح وعلاقات تاريخية وراسخة هناك للخطر ، وهو يعرف أن بلاده أخذت من هناك كثيرا وما زالت تأخذ .

تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف