مازلنا بصدد خطاب الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب في مؤتمر دار الإفتاء وكان الخطاب كاشفاً عما تعانيه المؤسسات الإسلامية في مواجهة الفقه العبثي حيث كان أهم ما جاء فيه أزمة التواصل مع الناس وأن الفتاوي تظل حبيسة الادراج ويصبح سؤالنا أو توقعنا أنه فور الانتهاء من الخطاب قامت المؤسسات الإسلامية أزهر وأوقاف وإفتاء بتنسيق لتعالج ما وقعت فيه من خلل.
أعود إلي السؤال هل قامت هذه المؤسسات بحشد وتنسيق لكي تتضافر الجهود؟ للأسف فالمؤتمر انتهي وكأن شيئاً لم يحدث فالأزهر في مكانه والافتاء كذلك والاوقاف علي ما هي عليه.
إذا أردت أن أطرح السؤال بلغة أخري فأقول هل قامت الافتاء بفتح قناة مع أئمة الأوقاف لتمدهم بما يصدر عنها من فتاوي؟ وهل قام الأزهر الشريف من خلال وعاظه بمثل هذا التعاون لتصبح الجهود في كل مؤسسة لدي بقية المؤسسات الأخري؟
وإذا أردت أن أطرح السؤال بلغة ثالثة: هل يكفي ما يسمي قوافل الدعوة ليسد مسد أولئك المقيمين بين الناس ليل نهار يعلمونهم بحماس وإخلاص ما يؤمنون به من علم أو فتاوي وصفها الإمام بالعبثية؟ وهل تكفي لقاءات المقاهي - وهي مهمة - التي أعلن عنها الأزهر الشريف فيما سمي بلقاءات المقاهي أعتقد أن الأمر أكبر من ذلك بكثير وأنه لا حل له ما دامت الأمور تسير كما هي بلا جديد.
إن أول ما يمكن أن نواجه به هذا الفقه العبثي الذي - للأسف - ينشره من لا ينتسبون للأزهر من خلال إيمان بظاهر النصوص. وعدم إدراك بأن الدنيا تتغير وأن التغيرات البيئية لها علاقة بما يفتي به المفتي - كما ينشر هذا الفقه العبثي علماء يداهنون تيارات منفلتة لا تريد أن يكون للدين سلطاناً علي حياتنا وسلوكياتنا فيجهدون أنفسهم بما حازوه من علم لكسر الثوابت والتحلل من كل قيمه فتصبح الراقصة شهيدة وتصبح نصف الشهادة كافية للإيمان دون حاجة للإيمان بنبوة سيدنا محمد ويصبح الحجاب ليس بفريضة وأشياء كثيرة أبسط ما تنتهي إليه نتائجها هو فقدان الشباب للثقة بعلماء الأزهر المتهمين أصلاً من قبل الناس.
إذن فأول ما يجب أن نبدأ به هو الإيمان بالمشكلة والشعور بالخطر الذي نواجهه وهو خطر كان أول من شعر به الفيلسوف محمد إقبال حيث انتهي إلي أن سر تراجع المسلمين هو تحولهم من الاهتمام بواقع حياتهم العملية والبحث له عن حلول إلي تركيز في غيب لم يأمرنا الله بالبحث فيه وإنما أمرنا بالبحث في مناكب هذه الأرض لنعمرها كما أمرنا ولنصنع للبشر سعادتهم وللأسف مازلنا نعطي الغيبيات أكثر مما نعطي عالم الشهادة.
إذن فنحن في حاجة إلي إيمان بالخطر والانتفاض لعلاج هذا الخطر فكرياً.
أما ثانياً فإن المؤسسات الدينية يجب أن يكون تعاونها تعاون المؤسسة الواحدة بحيث يصل إلي كل عضو فيها اجتهاد وجهود أي مؤسسة من هذه المؤسسات.
ثالثاً: إقامة دورات جادة ومستمرة للوعاظ والأئمة والعلماء فيظل الفرد من هؤلاء في تطور دائم ومعرفة بما يستجد.
رابعاً: إقامة دورات يطلع فيها الإمام والواعظ علي فكر الآخرين خاصة فيما يتعلق بالمناهج الفكرية.