الوطن
د. محمود خليل
إلى الأمام يا «اسمك إيه»..!
فوز «ترامب» بانتخابات الرئاسة الأمريكية حدثٌ يقرر حقيقة أن إرادة الشعوب غالبة، فلا الدولة الأمريكية العميقة -إذا صح التعبير- التى تعبر عنها «كلينتون»، وظل «أوباما» مدافعاً عنها ثمانى سنوات، أفلحت فى إثناء الشعب الأمريكى عن رغبته فى التغيير والبحث عن جديد، ولا الإعلام الأمريكى، الذى جيّش جيوشه وشحذ أسلحته لصالح انتخاب هيلارى كلينتون، أفلح فى تغيير الموقف، ولا مراكز استطلاعات الرأى نجحت فى التأثير على إرادة الناخبين التى انحازت بصورة واضحة إلى «ترامب». كل هذا حدث رغم حالة الرعونة التى اتسم بها الخطاب الانتخابى لـ«ترامب»، وتحرشه الواضح بالأقليات. موقف الشعب الأمريكى طبيعى للغاية، واختياره لـ«ترامب» يعكس حقيقة العصر الذى نعيشه: «عصر الشعوب»، العجيب هو موقف بعض المصريين من نتائج الانتخابات.

هناك من حزن على خسارة «كلينتون»، وأغلب هؤلاء من الإخوان أو المتعاطفين معهم، وهناك حالة من الابتهاج بفوز «ترامب» من جانب مؤيدى السلطة. وحقيقة الأمر فإن موقف الطرفين عجيب كل العجب، فلم يكن من المتصور أن تعمل «كلينتون» -لو فرضنا وصولها إلى الحكم- لصالح الإخوان ضد المصالح الأمريكية، وليس من الوارد أن يعمل «ترامب» لصالح النظام الحالى على حساب المصالح الأمريكية. من السذاجة المفرطة أن يُسقط الإنسان الأوضاع داخل مجتمعه على الأوضاع داخل المجتمعات الأخرى. فرؤساء الدول النامية يتمتعون بصلاحيات فردية تتجاوز فى بعض الأحوال أدوار المؤسسات الأخرى التى تعمل فى خدمة الدولة، سواء كانت مؤسسات تنفيذية أو تشريعية، يدعمهم فى ذلك الظروف والسياقات التى تسود هذه الدول، وأحياناً الدساتير التى تحكمها، لكن الأمر يختلف فى دولة مثل الولايات المتحدة الأمريكية، حيث تعلو قيمة المؤسسة، ومنظومة المصالح الأمريكية، والخطط الاستراتيجية للدولة، على ما عداها. والكل يعلم أن المؤسسات الأمريكية -مثل الخارجية والبنتاجون- أحياناً ما تتناقض فى قراراتها ومواقفها مع مؤسسة الرئاسة. اسم أو شخص رئيس الدولة هناك ليس كما هو الحال لدى غيرهم.

الطريقة التى تفاعل بها الكثير من المصريين مع الانتخابات الأمريكية تتشابه مع الطريقة التى تعامل بها الأجداد مع الصراع العسكرى بين الحلفاء والألمان خلال أحداث الحرب العالمية الثانية (1939 - 1945). كان هناك قطاع من المصريين منحاز إلى «هتلر»، وردد بعضهم حينها أن الزعيم النازى أعلن إسلامه وأطلق على نفسه «الحاج محمد هتلر»، وكان سر الانحياز له بالطبع هو الرغبة فى التخلص من الاستعمار الإنجليزى، فى المقابل شجع قطاع آخر الحلفاء، وتمنى هزيمة الألمان فى الحرب؛ لأنه كان يرى أن الإنجليز أفضل من غيرهم. أدى بعض المصريين حينها بصورة تتشابه مع الأداء الحالى المواكب للانتخابات الأمريكية. فكان المؤيدون لـ«هتلر» يهتفون للقائد الألمانى «روميل» وهو يتقدم نحو العلمين قائلين: «إلى الأمام يا روميل»، وفى المقابل هتف المؤيدون للحلفاء بحياة القائد البريطانى «مونتجمرى» وأخذوا يدعون له بالنصر المبين على الألمان وصد الهجوم على العلمين. وانتهت الحرب، كما تعلم، بانتصار الحلفاء عام 1945، ورغم ذلك لم تتحرر مصر من الاحتلال الإنجليزى إلا بعد هذا التاريخ على يد أبنائها، عندما عادوا إلى أنفسهم واسترجعوا المثل الذى يقول: «ما ألعن من ستى إلا سيدى»..!.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف