رامى جلال عامر
هل «مستشار إعلامى» تعنى «نصاب»؟
فى ظل دعاوى تقشف توازى ما تعانيه مصر من تدهور، تظهر أصوات تنادى بإلغاء مهنة «مستشار المسئول»، وتحديداً مستشاره الإعلامى. والواقع أنها مهنة مهمة وضرورية وأن إلغاءها غير منطقى لأنها ببساطة غير موجودة أصلاً! فالمستشار الإعلامى الآن -باستثناء عدد محدود جداً- عادة ما يكون غير متخصص ولا ممارس ولا يشير على أحد، بل أصبح منفذاً وليس مُخططاً، وغالبية هؤلاء المستشارين لا يعرفون التوصيف الوظيفى لمهنتهم ولا بيان مهمتهم، هم يتقاضون أموالاً كثيرة فى مقابل قيامهم بما يُعرف بـ(Media Relation) أو إدارة العلاقات مع الإعلاميين والصحفيين. ويظن معظمهم أن دورهم هو العمل بـ«فهلوة» على توزيع بيانات أو نشر تصريحات أو فبركة أخبار بما يعمل فقط على «تلميع المسئول»! بينما الواقع أبعد ما يكون عن ذلك.
أبسط مهام المستشار الإعلامى -اللى بجد- هى القيام، مع فريقه، بعملية الرصد الإعلامى (وتتضمن الوعى بسياق الرصد وتشخيص مجاله، ومعرفة ردود الفعل بأنواعها، ثم تقديم النتائج بعد التحليل الكمى والكيفى، مع طرح عدد من التوصيات إذا لزم الأمر)، بعد ذلك ينطلق لبناء استراتيجية إعلامية، ثم يعمل على تنفيذ خطة اتصال بما يتضمنه ذلك من بث رسائل استراتيجية بوتيرة معينة، كل ذلك فى إطار محاولات عامة لإعادة تأطير الأحداث والوقائع الخاصة بصورة العميل بما يسهم فى تعزيز الاستراتيجية العامة.
مهام المستشار الإعلامى «الحقيقى» لا بد أن تتضمن اقتراح سياسة إعلامية واضحة، ووضع خطط وبرامج عمل تنفيذية ومراجعتها وتقييمها، مع تحديد نقاط القوة والضعف، ومعرفة كل ما هو مطلوب لكى يتم تنفيذ السياسة الإعلامية وفق الخطة المتفق عليها. فضلاً عن قياس اتجاهات الرأى العام نحو مؤسسته والمسئولين عنها مع العمل الدائم على تحسين وتدعيم وإدامة صورتهم الذهنية.. والأهم -وهو الغائب فى مصر- هو إعداد التقارير الفنية الدورية بشأن سير وتقدم العمل. تقييم أداء المرءوسين من الصف الأول، وتحديد ما قد يحتاجونه من تدريبات احتياجاتهم التدريبية، واقتراح البرامج اللازمة لرفع مستوى معارفهم وتنمية قدراتهم.
وعلى الجانب الآخر على المسئول ألا ينظر للإعلام من منظار مستشاره الإعلامى، بوصفه «حارس البوابة الوحيد»، بل عليه تنويع مصادر معرفته لكى لا يفاجأ بأنه خارج الخدمة دون مقدمات بينما مستشاره كان يؤكد له دوماً أن «كله تمام يافندم».
من المهم والمحتم لأى وزارة أو مؤسسة أن تقوم بتسويق سياساتها؛ فهذا يفتح أبواب النجاح، ولكن لن يحدث هذا فى ظل استخدام مستشارين إعلاميين افتراضيين لا يمكنهم حتى إقناع بواب أن يفتح لهم باب المصعد! للأسف الجميع قد تساووا الآن رغم تباين الإمكانيات وتحولت مهنة المستشار الإعلامى إلى «نصباية» كبيرة يقوم بها أى «حلنجى»! وأصبح من العادى أن يجهل المسئول ومستشاره مغزى الاستشارات أو معنى الإعلام، وصارت علاقتهما معاً تتلخص فى مستشار «عيان» لا يعرف، يقدم خدماته لعميل «ميت» لا يفهم.. مهنة المستشار الإعلامى أصبحت وسيلة ترضية من المسئولين للبعض ووسيلة نصب من البعض على المسئولين.