د . جمال المنشاوى
شعوب الغرب تعشق التغيير.. وشعوب العرب تعشق النظام الأبوي
كان مما تنبأ به الرسول صلي الله عليه وسلم حول نمط تصرفات الشعوب الغربية تجاه الحكام أن هذه الشعوب أمنع الناس من ظلم الحكام, فهم لا يقدسونهم, ولا يتملقونهم, ويحاسبونهم حساب الملكين حتى يمنعوا تكوين ديكتاتوريات عاني منها الغرب, واكتوت بها الشعوب,وأدت إلي قتل الملايين في حروب عالمية, أولي 1914حتي 1918 وثانية 1939 حتى 1945م. وتخلصت أوربا من هذه الديكتاتوريات علي مراحل, فسقط هتلر سقوطاً ذريعاً بعد أن تسبب في قتل مالا يقل عن 50 مليون, وتخلصوا من موسوليني في إيطاليا, وفرانكو في أسبانيا, وسالازار في البرتغال, وأنور خوجه في ألبانيا, ثم ارتضوا نظاماً ديمقراطياً يقوم علي حرية اختيار الرئيس من كل فئات الشعب, ثم أوجدوا سبل المراقبة والتتبع لهذا الرئيس والمسئولين حتى لا يتجاوزوا الحدود, وليعلموا أنهم مجرد خادمين للشعب وقائمين علي مصالحه مقابل أجر ومقابل سلطة يعيشون فيها لفترة, لذا حاسبوهم علي غلاية المياه الغير مسجلة في متعلقات قصر الحكم كما فعلوا مع كاميرون في بريطانيا, ومن قبله حاسبوا تاتشر علي مجرد شبهة استغلال منصبها لتقديم امتيازات لنجلها, وسجنوا رئيس إسرائيل لتلقيه مبلغاً مالياً وبتهمة التحرش, وحاسبوا رئيس وزراء البوسنة لملأه سيارته بنزيناً علي نفقة الدولة واستخدامه في مشاويره الخاصة !. ومن العجيب أن هذه الشعوب تفعل الأعاجيب في أوقاتٍ يظن الظان أنها الوقت المناسب للرئيس الموجود لفرض سيطرته وتعميق سلطاته وزيادة نفوذه, لكنهم يفاجئون الجميع بتغيير هذا الرجل واستبداله بغيره, في صدمات لم يعتد عليها عالمنا العربي الذي يعيش في ظل الرئيس الأبوي الذي لابد من سماع كلامه والتغاضي عن أخطائه حتى لو أضاع البلاد والعباد فلابد أن تعتبره زي والدك, ولا تتكلم عليه بسوء, ولا تراقبه أو تحاسبه, فنعيش كشعوبٍ عربية في ظل الرئيس الملك أو الملك الرئيس, وكان من أعجب ما كتبه صحافي مصري كبير حول القرارات الاقتصادية الأخيرة والتي أشعلت نار الغلاء في البلاد (لازم الشعب يصبر لما الرئيس اللي زي الأب يخفض المصروف لابنه اللي هو الشعب), أما الغرب فإنهم كما قلت يسقطون الرئيس عندما يظن أنها قد دانت له, كما فعلوا مع ديجول الجنرال المنتصر في الحرب العالمية الثانية, لكن الطلبة الفرنسيين ثاروا ضده وقاموا بمظاهرات خضع لها وأجري إستفتاءاً واشترط نسبة معينة يحققها لكي يستمر, وفشل في تحقيقها فترك الحكم وهو في أوج مجده, والألمان فعلوها مع مستشارهم هيلموت كول, والذي كان يُعد أسطورة ألمانية, لكنهم أرادوا التغيير فلم ينتخبوه بعد مدتين, لأنهم يدركون أن البقاء في السلطة لفترة طويلة يخلق حالة من التراخي والتعالي والتكبر والتسلط والديكتاتورية التي لا تُحمد عقباها, وكذلك في أسبانيا فعلوها مع رئيس وزراء كانوا يعتبرونه ملكاً متوجا علي عرش الوزارة هو وحزبه, لكنهم أسقطوه لكي يغبروا دماء الحكم ويدفعوا بوجوه جديدة, تضخ طاقات جديدة لخدمة الناس, وكل هذا يحدث مع وجود كل آليات المُراقبة والمُحاسبة من برلمانٍ حقيقي, وجهات قضائية مستقلة, وصحافةٍ حرة بسلطات مُطلقة, أسقطت نيكسون رئيس أكبر دولة في العالم, هذه الشعوب المتحررة فكرياً من سلطات إعلام موجه يصب في أذانها ليل نهار أنه ليس بالإمكان أبدع مما كان, وأن الرئيس الذي يسرق البلاد أو يبيعها لا ينام من أجل مصلحة الشعب, وأنه لولا خوفه علي البلاد من الضياع والتمزق من بعده لترك الحكم فوراً, لأنه زاهد فيه لكنه يأبى إلا أن يلبي نداء الوطن, وصيحات الجماهير الهاتفة بحياته ثم تلعنه بعد مماته عندما تكتشف الأكذوبة الكبرى، والخداع المنظم وغسل الأدمغة الذي تعرضت له, لكنها للأسف سريعة النسيان فما تلبث أن تعيد نفس الكره مع الرئيس الجديد في عالمنا العربي, هذه المقدمة الطويلة تقودنا إلي ما حدث في أمريكا من زلزال انتخاب دونالد ترامب الجمهوري, وهنا لن أعيد ما قد كتبه وفنده كثير من الزملاء الكتاب من تحليلات وتفسيرات حول هذا الأمر, لكني سأتوقف فقط عند المقارنة بيننا كشعوبٍ عربيه تهوي الاستقرار لدرجة القداسة حتى لو كان هذا الاستقرار يسبب هلاكها علي المدى البعيد وهو حادث ومشاهد مع حكام العرب الذين تأبدوا في السلطة, والتصقوا بالكرسي إلتصاق الدم بالأوردة, فلا يريدون ولا يستطيعون منه فكاكاً إلا بوصول عزرائيل إلي حلوقهم وأغلبهم تجاوز الثمانين بمراحل, وهي مرحلة عمرية يعاني ألإنسان فيها من تغيرات كبيرة في وظائف الأعضاء وتصلب الشرايين وأمراض السكر والضغط وكلها تؤثر في اتخاذ القرار!, وهذا من واقع مهنتي كطبيب, الكل كان يتغنى بكلينتون والمزاج العربي كما قلت يقدس من في السلطة,لكن الشعب الأمريكي وأغلبه من أصول أوربية يعشق ثقافة التغيير, فألقم العالم حجراً, واختار المغامرة مع رجل ناشئ في السياسة, لكن قد تكون عنده أفكار جديدة يظن الأمريكان أنها في صالحهم, لذا لم يتوانوا عن الخوض في المقامرة والمغامرة, وهو درس لشعوبنا العربية الغارقة في وهم (إذا ذهب الرئيس الموجود فمن البديل ؟!).. (واللي نعرفه أحسن من اللي ما نعرفوش!), حتى لو كان من عرفناه فاشل سياسياً ويقود البلاد لمهالك, لكنها للأسف الشديد سياسة وتفكير العبيد!