الأهرام
عبد الغفار شكر
حول الانتقال من الاستبداد الى الديموقراطية
لا تزال قضية التحول الى الديموقراطية فى الوطن العربى تحتاج الى مزيد من البحث والدراسة فى أسباب تعثرالتحول الديموقراطى فى هذه المنطقة. فرغم النضال الطويل الذى استغرق اكثر من قرن ورغم التضحيات التى قدمتها شعوب المنطقة ما تزال الديموقراطية هدفا بعيد المنال. ولا نبالغ اذا قلنا انها المخرج الوحيد للأمة العربية مما تعانيه من مشاكل وأزمات ، فلا يمكن بدون الديموقراطية الحديث عن تنمية اقتصادية اجتماعية فاعلة أو عدالة اجتماعية حقيقية أو استقلال وطني، فقد خاضت الشعوب العربية معارك متتالية عبر اكثر من قرن من الزمان من أجل الخروج من دائرة التبعية والتخلف الاقتصادى والظلم الاجتماعى لكن امالها كانت تتحطم دائما على صخرة الاستبداد والحكم الفردى والقبلى والعشائرى والعسكري.

ولعله من المفيد ان يتجه البحث الى التركيز على اسباب تعثر التحول الديموقراطى فى الوطن العربى ، وكيفية الاسراع فى هذه العملية، والشروط اللازم توافرها فى المجتمعات العربية لكى تنجز عملية التحول الديموقراطى بنجاح، وهل هناك فى الواقع العربى ما يحول دون الانتقال الى الديموقراطية، مما يدفع البعض كالباحث الأمريكى جون ووتر بيرى الى القول إن الشرق الأوسط أو على وجه التخصيص الشرق الاوسط العربي، انما هو منطقة استثنائية فى مقاومتها التحرك نحو الليبرالية السياسية واحترام حقوق الانسان والممارسة الديمقراطية التقليدية.

نحن فى أشد الحاجة الى التوسع فى دراسة عملية الانتقال من الاستبداد الى الديمقراطية فى الوطن العربي، وفهم طبيعة هذه العملية، والمخاطر التى تحف بها، والمرتكزات التى تستند اليها، والقوى الاجتماعية المؤهلة للقيام بذلك، وبالاضافة الى هذا كله فانه من الاهمية بمكان التعرف على الدروس المستفادة من تجاربنا السابقة فى مختلف الاقطار العربية بالنسبة لمحاولات الانتقال الى الديمقراطية ووضعها فى الاعتبار عند صياغة التوجهات المستقبلية فى المرحلة القادمة ويكفى هنا تأمل تجربة مصر التى تمتلك كثيرا من مقومات الديقمراطية مثل التعددية الحزبية (اكثر من 100 حزب)، ودستور حافل بالنصوص الراقية، ورئيس منتخب بأغلبية طاغية، ومجتمع مدنى واسع ومع ذلك فان مصر لا يمكن وصفها حاليا بانها دولة ديمقراطية.

اننا أمام قضية متعددة الجوانب وخاصة ما يتصل بدور العمل السياسى عموما والتقدمى خصوصا فى انجاز عملية التحول هذه، وما هى الافكار والتوجهات التى تحكم مسار الانتقال من الاستبداد الى الديمقراطية. والبدء بقضية الاستبداد الذى لا يزال له جذور عميقة فى معظم الاقطار العربية، وللعرب خبرة طويلة بالاستبداد، ونحن لا نبتعد كثيرا عن الحقيقة عندما نقول ان تاريخ العرب هو فى الاساس تاريخ معاناتهم من النظم الاستبدادية والمستبدين. ولهذا فان جان جاك روسو عندما قال ( المستبد هو من يضع نفسه فوق القوانين) فانه لم يكتشف شيئا جديدا بالنسبة للعرب فقد سبقه الى فهم هذه الحقيقة كثير من المفكرين والفلاسفة العرب منهم الفارابى الذى اكد ان (اساس السلطة فى المجتمع هو الحاجة الى قانون يحقق العدل ويمنع الظلم).

ويلتقى حول هذا التعريف معظم المفكرين والقادة العرب الذين اهتموا بدراسة الاستبداد، فيرى خير الدين التونسى انه (عدم اعتبار رأى الجماعة)، ويعرفه جمال الدين الافغانى انه (حكم الفرد الذى لا يشرك الامة فى الحكم، فيظلم ويستغل ولا يستند الى قانون) ويلتقى معهم عبد الرحمن الكواكبى عندما يعرف الاستبداد بانه (التصرف فى الشئون المشتركة بمقتضى الهوي، وانه الحكومة التى لا توجد بينها وبين الامة رابطة معينة معلومة مصونة بقانون نافذ)، وقطع اديب اسحق الطريق على فكرة المستبد العادل بقوله ان الاستبداد (تصرف واحد من الجماعة بدمائهم واموالهم ومذاهبهم بما يوجبه هواه وما يقضى به رأيه سواء كان ما يجرى مخالفا لمصلحتهم او موافقا لها). وهكذا فإن الفكر العربى فى بحثه لهذه الظاهرة انتهى الى ان الاستبداد فى جوهره هو غياب القانون والكف عن المشورة. وينتهى الباحث السورى محمد جمال طحان من متابعته لهذه الاراء الى ان الاستبداد ليس مجرد اسلوب طاغ فى الحكم بل هو صيغة استبدادية للحياة فى الدولة كلها. ويفصل بعض مظاهر هذا الاسلوب بقوله (ان الاستبداد يريد ان يتبع الشعب قادته المتحكمين، ويؤمن بما يؤمنون به من غير مناقشة، وان يغير عقائده كلما رأى القادة وجوب ذلك، فالرأى هو رأى الحاكم والقرار قراره وحده، ما دام هو الدولة، وبالطبع لا يمكن ان يكون هناك رأى لآخر، وبالتالى فلا مجال لاى فئة او طبقة او حزب اخر سوى حزب المستبد الذى يتمتع بأيديولوجية رسمية تغطى جوانب الحياة الانسانية جميعها، تساعده رقابة بوليسية مشددة، ودعاية مركزة، وتكون ادارة الاقتصاد متحكما بها مركزيا). وانطلاقا من هذا الفهم للاستبداد يمكن ان يواجه بعملية شاملة العديد من جوانب المجتمع لتصفيته واحلال الديمقراطية محلها التى هى فى الاساس اطار لتنظيم الصراع فى المجتمع بوسائل سلمية، فالمجتمع ليس مجرد كم من الافراد، بل هو علاقات ومصالح وطبقات وصراعات ومنافسات اذا لم ينجح المجتمع فى تنظيم هذه الصراعات بوسائل سلمية فانه يتعرض لمخاطر العنف الذى قد يصل الى حد الحرب الاهلية.

وفى المقال المقبل نعرض كيف نواجه هذا الاستبداد فى انتقال المجتمع الى الديمقراطية.

تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف