فاز ترامب بالرئاسة الأمريكية برغم كل هذا العداء المُشهَر ضده من أقوى شبكات التليفزيون تأثيراً وأكثر الصحف انتشاراً وأكبر الكُتّاب شعبية، ومن أجهزة الدولة الأمريكية العتيدة الحامية للنظام العام، ومن أغلب المسلمين واليهود والسود وأبناء أمريكا اللاتينية والنساء وأصحاب الاحتياجات الخاصة، بل ومن الكثيرين من قيادات حزبه الذين أعلنوا تأييدهم لمنافسته وظلّوا يطالبونه بالانسحاب! وقد غطّى كل هذا على الواقع الذى كان ينطوى على فرص نجاح موضوعية.
أما كلمة السر فكانت فى الضواحى والأرياف صاحبة النسبة المعتبرة من السكان والناخبين، أصحاب الثقافة الخاصة والتدين الخاص والمصالح الخاصة، البعيدين عن متابعة مراصد الدرس والإعلام واهتمامات القائمين باستطلاعات الرأى العام، التى بدأت تلوح عليها فى السنوات الأخيرة أمارات الانحياز بزعم القيام بعمل علمى محايد. هؤلاء هم الذين دفعوا بترامب ممثلاً لهم فى البيت الأبيض. (لاحظ أن قرناءهم هم الذين رجّحوا خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبى فى يونيو الماضى!) وكان يمكن استقراء مواقف هؤلاء فى مواقع مغمورة على الانترنت وفى تعليقات على مقالات فى صحف كبرى. وكان المشترك الأكبر بينهم هو شحنة الغضب من النظام وممن صاروا يحترفون التناوب على المناصب العامة والتمثيل فى الكونجرس والإدارة. وكان الغريب الاستهانة بهذه الجماهير العريضة من المتابعين والمراقبين والمعلقين الغافلين عن تغيرات عميقة، من الواجب، أيضاً، أن تؤخذ فيها بالجدية نداءات استقلال بعض الولايات!
وقد كتبت مقالاً هنا بتاريخ 12 أغسطس، وهو على أرشيف «الأهرام»، وقلت فيه بالنص «إن ترامب أخرج المتطرفين من جحورهم وتبين أن أعدادهم من الضخامة التى تستطيع أن تدفع إلى إمكانية كبيرة بأن يفوز مرشحها». وأضفت بأنه.. «يُحتَمَل أن يصعب على معارضيه أن يتحملوا الانتظار حتى يُكمل دورته!!»
والحقيقة أننى لم أتخيل أن يجىء احتجاج معارضيه بهذه السرعة بعد ساعات من إعلان فوزه فى تظاهرات عارمة تملأ أكبر المدن! ولكن، لاحظ أن مؤيدى ترامب راضون هادئون ضامنون لاستمراره من خارج هذه المدن. وهو صراع جديد يصعب التنبوء بتوابعه.