د. محمود خليل
شتيمة المصريين.. من تانى!
كيف يمكن أن نفسر حمى شتيمة المصريين التى تنتاب بعض الألسنة فى الآونة الأخيرة؟ الملاحظ أن الشتيمة موجهة إلى البسطاء وأفراد الشعب العاديين، وجوهرها اتهام هذا القطاع الأضخم من المصريين بالكسل، والزهد فى العمل، والرغبة الجامحة فى الاستهلاك، والإلحاح المستمر فى المطالب الاقتصادية، خصوصاً فيما يتعلق بالأسعار ومستوى الدخول، وتتسكع هذه الاتهامات على ألسنة بعض أفراد يطلق عليهم البعض أو يطلقون على أنفسهم «النخبة» سواء أكانت سياسية أو إعلامية أو اقتصادية. بداية علينا أن نسلم بأن أى شعب فى الدنيا تتراوح خصاله وخصائصه ما بين السلبى والإيجابى، والشعب المصرى شأنه شأن كل شعوب الأرض تتركب شخصيته من العديد من السمات الإيجابية والعديد من الخصال السلبية.
الملاحظ أن موقف النخب المذكورة من الشعب والمواطنين العاديين يرتبط بسياق الظرف فى كل الأحوال، وبالرسالة التى تريد السلطة الزج بها إلى الشعب عبر ألسنة هؤلاء فى بعض الأحوال، فمن الطبيعى جداً أن يرتبط استدعاء أى من السمات الإيجابية أو السلبية عند الحديث عن الشعب بالظرف السائد، فعندما تكون البطولة للمواطن ويكون الصوت الأعلى له، تجد أن أصوات النخب لا تتوقف عن كيل المديح له وبالجلجلة بعظمته، بإمكانك أن تعود بالذاكرة إلى أجواء ثورة 25 يناير 2011 وتستعيد ما كان يردده من يسبون المصريين اليوم من قصائد مدح ومواويل وصف للشعب العظيم الذى لما أراد فعل، ولما أصر خضع له الجميع، الشعب الذى أبهر العالم وألهم غيره من الشعوب، وأدى بما يليق بتاريخه الحضارى الممتد والمتجذر، كان ذلك هو الخطاب أيام ثورة يناير، وتكرر الأمر نفسه أيام ثورة يونيو 2013، لكن الظروف وسياق الحال اختلف فى الآونة الأخيرة، بالتزامن مع ارتفاع الأسعار، وسيطرة إحساس بالاحتقان على كثير من أفراد الشعب العاديين، وتعالى الأصوات بالاحتجاج على الأوضاع الاقتصادية المتردية، وكما تعلم.. هناك فارق كبير بين حالة الثورة وحالة الاحتجاج، ففى حالة الثورة يتحرك الشعب كالطوفان، بصورة تفرض على الجميع طأطأة الرأس له حتى يعبر، لكن فى حالة الاحتجاج من الوارد أن يتعرض الناس للوم والتقريع، وحتى الشتيمة، حتى يدخلوا من جديد إلى حظيرة الأدب.
التفسير الذى أخشى منه على من يورطون أنفسهم فى سلق الشعب بلسان حاد أن يُفهم توجههم هذا وكأنه نوع من السعى إلى خدمة الحكومة أو السلطة التى تحكم، لأن المسكوت عنه فى الاندفاع إلى لوم المحتجين على الأوضاع الاقتصادية المتردية هو الدفاع عن الحكومة وعن الإجراءات التى تتخذها ويحتج عليها المواطن، وبالتالى قد يُفهم من كلام هؤلاء أنهم يعملون لحساب الحكومة، ويجتهدون فى ستر عوارها، وليس من العيب أن يعمل أحد لحساب الحكومة، بشرط ألا يخلط بين مفهوم المسئول ومفهوم الدولة، فهو يدافع، حين يدافع عن حكومة أو نظام حكم، وهذا حقه ووجهة نظره الجديرة بالاحترام، لكننى أظن أن الحديث عن أن التطاول على الناس من أجل قمع غضبهم هدفه حماية الدولة المصرية مبالغ فيه وخلط للأوراق.. ووضع «أبوقرش على أبوقرشين»!