الجمهورية
احمد المنزلاوى
العدس واللص
أصابته الحمي بعد موجة الغلاء وارتفعت أسعاره إلي عنان السماء. كان بالأمس طعاماً للفقراء وانتقل اليوم إلي قائمة الأغنياء ينظر إلينا في "حلته" الجديدة نظرة خيلاء واستعلاء. له في المنازل والمطاعم أطباق وأسماء وسهم كبير في قصائد الشعراء. أطلق عليه الأزهريون اسم "بغيره" في تفسير فكاهي لبيت الشعر المشهور:
من لم يمت بالسيف مات بغيره
تعددت الأسباب والموت واحد
وكان العدس ركناً أساسياً في طعام المجاورين "طلاب الأزهر".
والبيت للشاعر ابن نباتة السعدي التميمي 941 - 1014م ولد ومات في بغداد ودرس اللغة وأجاد الشعر.
يقول في بيت آخر:
فعبرا علي ريب الزمان فإنما
لكم خلقت أهواله والشدائد
وينسب البعض البيت الأول لأبي الطيب المتنبي. ومن أبواب الأزهر الثابتة باب الشوربة الذي بناه الأمير عبدالرحمن كتخدا في العصر العثماني 1753م وهو المجاور للقبة.
ارتفعت أسعار العدس بصورة سريعة متلاحقة ليضاعف ثمنه مرة 12 - 25 جنيهاً وفي بعض المحافظات إلي 15 - 20 جنيها وعز علي ذوي الدخل المحدود التعامل معه. تطلق عليه المطاعم العديد من الأسماء أشهرها الحمام ويقدم في أطباق مختلفة "شوربة وفتة وبصارة وكشري وغيرها".
ومن أطباق العدس الأباظي "بالدجاج" والعدس بجميع أنواعه وألوانه غني بالبروتين والكربوهيدرات والفيتامينات والأملاح المعدنية يفيد الشعر والبشرة والجهاز الهضمي والعظام والأسنان ويخفض الضغط المرتفع وينظم السكر في الدم ويقوي الدورة الدموية وجهاز المناعة والأطفال والحوامل وأخشي أن يقرأ التجار هذا الكلام فترتفع الأسعار.
قيل ان وطنه الأصلي مصر والشام ويزرع في مناطق كثيرة من العالم. منها الهند وإيران وتركيا وجنوب أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية.
ومن أجود أنواع العدس الصعيدي الذي كان يباع في جميع المحافظات قبل استيراده من الخارج.
ومن أغاني الصعيد:
أكلها بمليح وعتيس
ولا حد لي علي طرف يديس
وكان يقدم لطلاب المدينة الجامعية أيام الاثنين مع البيض.
يقول المثل الشعبي: من لا يعرف يقول عدس أو "اللي ما يعرفش يقول عدس" وقصته ان بقالاً جلس في محله يستريح من عناء العمل طوال النهار غافلة لص وخطف حصيلة البيع وجري في الشارع ومن خلفه البقال في محاولة لاسترداد حاله الضائع.
تعثر اللص في جوال العدس فمال ووقع العدس علي الأرض وشاهد الناس المطاردة الحامية والعدس علي الأرض فقالوا للبائع أتجري خلف الرجل المسكين من أجل حفنة من العدس. يطعم بها أطفاله الجوعي فقال الرجل: "اللي ما يعرفش يقول عدس".
وجري القول مجري الأمثال فيمن يفتي بغير علم أو يتحدث في أمر لا يعرفه.
ويقول المثل اليمني "اللي مش داري يقول بلسن" أي العدس.
ويقول المثل العراقي "البدري بدري والمايدري يقول كف عدس" "حفنة عدس".
يقول الشيخ الشاعر عامر الأنبوطي "المتوفي 1767م" في قصيدته:
طناجر اللحم ترياق من العلل
وأصحن الرز فيها منتهي أملي
والترياق: البلسم الشافي ويضيف:
والدهر يفجع قلبي في مطاعمه بالعدس والكشك والبيصار والبصل.
والأنبوطي من العلماء كان مغرما بهذا اللون من الشعر الفكاهي. كتب ألفية الطعام علي وزن الفية ابن مالك.والقصيدة السابقة علي وزن قصيدة الوزير الشاعر الكاتب الخطاط حفيد أبي الأسود الدؤلي عالم اللغة العربية ولد 1063 وتوفي 1120 ومن أبياتها:
أعلل النفس بالآمال أرقبها
ما أضيق العيش لولا فسحة الأمل
وأغنية "فتة عدس" من أغاني فيلم "فُكك مني" من إنتاج 2011 بطولة دينا وحسن حسني وتأليف مصطفي السبكي وإخراج أحمد عويس.
ويقول بيرم التونسي:
يوم طبخة العدس أشوفك تبقي محتاسة
ما تخلي في البيت لا حلة ولا طاسة
وتقعدي تبعتري المواعين في الفسحة
وتبقي أرض المطارح كلها كناسة
ومن أغاني فيلم "4 بنات وظابط" بطولة وإخراج أنور وجدي. أغنية "العدس" لنعيمة عاكف وفيروز ووداد حمدي. إنتاج 1954. يقول أبو السعود الإبياري:
العدس الليلة ليلة عيده
يا رب تبارك وتزيده وكلمة "العدس" جاءت من الاجتهاد والسعي علي الرزق.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف