الأهرام
القمص أنجيلوس جرجس
سنقف أمام اللـه ونحاسب
كان رجل ثري يزور معرضاً للرسم فرأى لوحة جذبت انتباهه كما جذبت أنظار الآخرين. كانت اللوحة لأرملة فقيرة يحيط بها أطفالها وقد طردت من مسكنها وهي تقف تتذلل لرجل هو صاحب البيت وتتوسل إليه بدموع ألا يطردها، والرجل القاسي يظهر في اللوحة وهو يطردها مع الأطفال بكل قسوة وعيون الأطفال تنظر لهذا القاسي بنظرات الخوف والرعب ولكن واحداً منهم كان ينظر إليه بنظرة التحدي. والغريب أن هذا الثري تسمرت قدماه وهو ينظر إلى تلك اللوحة لأنه قد تذكر هذا الموقف أنه هو ذاك الرجل القاسي وأخذ قلبه ينبض والعرق يتساقط من جبينه إذ رأى عمله أمامه وأراد أن يشتري تلك اللوحة وذهب إلى الرسام الذي رسمها وقال له:«أريد أن أشتري هذه اللوحة«. ووقف الفنان وهو ينظر إليه بتحد وقال:«لن أبيع تلك اللوحة أبداً وستظل هنا ليراها العالم كله«، فبادره الثري وقال له:«ولماذا؟«، فقال له:«لأن هذه الأم هي أمي وأنا أحد هؤلاء الأطفال«. واستدار الثري ليهرب من أمامه، فقال له الفنان: «وأنت هذا القاسي الذي لم يرحمنا« فتسمرت قدما الثري وهو يحاول أن يلملم أشلاء نفسه ولكن الفنان استمر في حديثه بصوت عالي وقال: «هل تضايقت لأنني وضعت أمامك أحد أعمالك القاسية ولكني أقول لك أمام اللـه سترى كل أعمالك قائمة لتحاسب عليها».

عزيزي القارئ تصور لو أنك زرت معرضاً للصور فوجدت حياتك في هذه الصور، وجدت ما فعلت قائماً أمام عينيك فما هو شعورك؟ ولكنني أقول لك إننا جميعاً سنقف أمام اللـه لنحاسب على حياتنا سنرى ما فعلناه ولكننا سنكون في زمن العدل، في زمن الحساب، إننا الآن نحيا زمن الرحمة، زمن يمكننا فيه أن نصنع صوراً أخرى لحياتنا غير تلك الصور التي قد نخزى منها، ولكن أن عبرت بنا الأيام والسنون وانتهت هذه الفرصة سنقف أمام اللـه لنحاسب بعدل.

سنحاسب على طريقة حياتنا وكيف قضيناها، نعم سنحاسب على مبادئنا وكيف عشنا ولماذا عشنا؟ سنحاسب عن الطريق والطريقة في الحياة، وسنحاسب على عطايا اللـه لنا وكيف عشنا بها وبأي صورة استخدمناها.

قال السيد المسيح في تعاليمه مثل رائع: »إنسان غني أخصبت كورته ففكر في نفسه قائلاً:«ماذا أعمل لأن ليس لي موضع أجمع فيه أثماري، وقال أعمل هذا أهدم مخازني وابني أعظم وأجمع هناك غلاتي وخيراتي وأقول لنفسي لك خيرات كثيرة استريحي وكلي واشربي وافرحي«. فقال له اللـه: »يا بني اليوم تؤخذ نفسك منك فهذه التي أعددتها لمن تكون«.

ولاحظ معي أن هذا الغني لم يفعل شيئاً خطأ فلم يسرق أو أخذ حق أحد ولكنه عاش فقط لنفسه، عاش ليأكل ويشرب فقط، لم يفهم أن الحياة التي تنحصر في المادة والأرض تنتهي بالموت، وبالموت تنتهي قيمة المادة.

سنحاسب أيضاً على علاقاتنا ببعض ومحبتنا لبعض، سنحاسب على الفقير الذي يسكن بجوارنا ولم نهتم به، والعجوز التي ليس لها أحد أن يسأل عنها ولم نفكر في احتياجها النفسي والمادي. سنحاسب على أعمال المحبة والخير لبعض. يقول القديس أوغسطينوس: »للقلب صمامان يعملان معاً، الأول مكتوب عليه تحب الرب إلهك من كل قلبك، والثاني مكتوب عليه تحب قريبك كنفسك، ولا يمكن للقلب أن يعمل بصمام واحد«.

سنحاسب على أمانتنا وإخلاصنا لوصايا اللـه، وأمانتنا أيضاً وسط الناس. فمن يحرص على أمانته في الصلاة والصوم يجب أن يحرص أيضاً على أمانته في العمل، وأن يكون صادقاً في كلامه فالذي قال: «لا تزني» قال أيضاً لا تسرق ولا تكذب. فكما تهتم بأن تقف أمامه نظيف اليد اهتم أيضاً أن تقف أمامه وأنت نظيف القلب.

عزيزي القارئ الحياة لها بُعد آخر يمتد للأبدية فلا تجعل طريقة حياتك تفقدك الأبدية ولا تجعل الأرض تفقدك السماء.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف