أشرف محمود
غياب الشفافية أساس الفساد
بعد شد وجذب غامرت الحكومة بتعويم الجنيه في محاولة منها لوقف نزيفه امام الدولار، غير إن القرار وان كان كما قال اهل الاختصاص مهم للغاية وبه تبدأ مصر مرحلة الإصلاح الاقتصادي، فإن توابعه أثبتت أن حكومتنا اعتادت علي اتخاذ قرارات بعد فوات الأوان، ولا تضع خططا لمواجهة التبعات، مثال ذلك ان الدولار تجمد في البنوك عند ثمانية جنيهات وثمانين قرشا ، بينما تصاعد في السوق السوداء الي ان بلغ ثمانية عشر جنيها ولما تدخلت الحكومة التي ظلت قابضة علي سعر في بنوكها كالقابض علي الجمر، فاذا به عند تحرير سعر الصرف تبدأ بثلاثة عشر جنيها ، ليبقي التساؤل مشروعا، لماذا إذن كان الانتظار؟
وماهي إلا ايام معدودة حتي وصل السعر في احد البنوك الي ثمانية عشر جنيها للدولار الواحد، والله وحده يعلم الي اي مدي سيصل بنا هذا السباق الجنوني الذي احال شرائح من المصريين كانوا يلقبون بالطبقة المستورة بدلا من المتوسطة في الستينيات والسبعينيات الي فقيرة بعد ان تدني سعر الجنيه فبات من كان يحصل علي مايعادل الف دولار قبل ستة اشهر، يتحصل الآن علي اقل من خمسمائة دولار.
خلاصة القول ان غياب الشفافية والصراحة من قبل الحكومة كان السبب في حالة السخط والغليان التي اصابت قطاعا كبيرا من الشعب، الذي يري انها تتلاعب به.
غير ان ما يؤذي الناس اكثر هو حالة البذخ التي يبديها البعض في هذا المجتمع ويلقي الاعلام عليها الضوء من نوعية حفل زفاف فنان وفنانة والحديث عن حضوره ونفقاته التي لفتت الانظار في وقت الكل يتحدث عن ازمة اقتصادية خانقة تتطلب شد الحزام ، او ان قناة رياضية احتكرت علي غير حق بث مباراة مصر وغانا المقررة اليوم في تصفيات كأس العالم ، وقامت باستقدام 18 متخصصا في التصوير والاخراج ، والدفع لهم سيكون بالدولار رغم الازمة ، ناهيك عن تدمير قطاع التليفزيون المصري واحباط جيل الشباب الذي يعمل في مجال التصوير والاخراج الرياضي ، والغريب ان لا احد يتحرك لمواجهة هذا الامر ، بداية من السطو علي حق المصري البسيط الذي لايملك رفاهية شراء الدش ويتابع احداث وطنه علي شاشته الوطنية ، فتأتي قناة وليدة تحاول ان تفرض سطوتها علي سوق الاعلام المصري من خلال السطو علي حق هذا المواطن البسيط ، وتشوه سمعة قطاع تريد ومعها آخرون الطفو فوق جثته ، والعجيب ان هذا الامر يأتي في مباراة رياضية بعد قرارات صدرت من وزارة الشباب والرياضة تقضي بدفع رواتب المدربين بالعملة المحلية وهو بالمناسبة ما رفضه المدربون الاجانب فرحل بعضهم فيما اذعنت الاتحادات لرفض الآخرين وفي المقدمة منهم اتحاد الكرة الذي طمأن الارجنتيني هيكتور كوبر بأن راتبه بالعملة الاجنبية كما ينص العقد ، وهنا يكون التناقض ، فهل القائمون علي امر الرياضة ينتمون لحكومة ، والقائمون علي امر القناة ينتمون لحكومة اخر ي
من اجل هذا كان علي الحكومة ان تنتهج ذات نهج الرئيس عبد الفتاح السيسي الذي اتخذ من الصراحة عنوانا له مع الشعب ، رغم ان في هذه الصراحة مايسبب له ازعاجا يفوق مرحلة النقد وحدوده اللائقة في التعامل مع رمز الدولة ، اذ كان يجب علي الحكومة ان تمهد للشعب والا تعيد ازمتها التي اعقبت توقيعها لاتفاقية تيران وصنافير الي الواجهة، فلو انها مهدت قبل الاعلان لتفهم الناس ، لكن ان تصحو فتجد كل ماحولك تغير من سعر دولار الي اسعار محروقات الي سلع غذائية بالاضافة الي خدمات الكهرباء والماء والغاز ، فهو امر يدعو للازعاج ، ولايمكن ان يصدر عن حكومة تتحسس خطاها في ظل ازمة متشعبة مابين اقتصادية واجتماعية في آن واحد ، وهو مايؤكد انها حكومة تدمن التفكير داخل الصندوق وليس خارجه ، إن الحكومة مطالبة بأن تتعلم من الدرس الذي تكرر غير مرة ، وهو ان المصارحة والمكاشفة والشفافية اساس التعامل بينها وبين الشعب ، وان محاربة الفساد لاتكون بالتصريحات بينما الفاسدون يرتعون في كل المجالات ، وان الاصلاح الاقتصادي الذي نقر انه مطلوب ومهم لمصلحة الاجيال المقبلة ينبغي الا يدفع الفقراء وحدهم فاتورته ، فلا تتم تسويتهم مع الاغنياء فالزيادة في اسعار البنزين لن يشعر بها الاغنياء اصحاب السيارات الفارهة وانما سيكتوي بنارها البسطاء ممن يستقلون الميكروباص في تنقلاتهم !!