ليس شرطاً أن أصحاب الأصوات الشجية، هم وحدهم من يطربون الناس.. إذ كم من أصحاب الأصوات الأجش جذبوا اهتمام الناس بل ونالوا استحسانهم.. وأموالهم.
وهناك أصوات ليست بالمرة جميلة.. ولكنها جذبت الناس، ربما بسبب الكاريزما التى يتمتعون بها.. أو بسبب غرابتها.. أو ربما بسبب جمال الكلمات ولذة الألحان.
<< هذا هو الشيخ زكريا أحمد الذى درس بالأزهر لفترة محدودة لم يكن جميل الصوت. ولكن هل منا لم ينجذب يوماً و دائماً إليه وهو يغنى «قولوا لعزيزة بنت السلطان.. وأبوها الذى يقف على شنباته صقرين.. ويا صلاة الزين على الأمراء.. واللولو والمرجان ويامداحين إيه!! ولا حتى أغنيته الأخرى «الورد جميل» التى يتغنى فيها بكل أنواع الورود.. ويظل يتمايل بوقاره المعهود مع كل شطرة أو فقرة.. وهو فى تمام هندامه بالبدلة والبوبويون الذى ارتداه.. على كبر... وأيضاً بالأغنية التى لحنها للسيدة أم كلثوم من كلمات بيرم التونسى عام 1960 وهى أغنية «هو صحيح الهوى غلاب»، بينما لحن لها ـ وأعاد غناءها ـ عام 1948 وهى أيضاً من كلمات بيرم وأدتها أم كلثوم فى فيلم فاطمة.
<< والشيخ سيد مكاوى الذى أدى الكثير من الروائع.. وفى مقدمتها الأرض بتتكلم عربى.. وقول الله.. ويا مسهرنى التى لحنها لأم كلثوم وغنتها للمرة الأولى عام 1972 وهى من كلمات رامى.. ثم أغنية ليلة إمبارح ويبدع أكثر وهو يقدم لنا أغنية أوقاتى بتحلو!!
وهذا هو عزيز عثمان الموظف الكبير بوزارة الرى «الأشغال» والزوج الأول للفنانة ليلى فوزى ينال استحسان الجماهير.. رغم صوته الأجش، الذى لا يطرب.. فنراه يجذب الآذان بأغنيته الشهيرة فى فيلم لعبة الست مع الريحانى وتحية كاريوكا.. «والغراب.. جوزوه أحلى يمامة»!! وكان من أشهر نجوم الصف الثانى «السنيد للبطل». وهذا هو الريحانى نفسه يقنعه المبدع أنور وجدى بالغناء فى آخر أفلامه «غزل البنات» فيشد انتباه الجمهور حاسس بمصيبة جاى لى.. يالطيف يالطيف.. مصيبة ماكانتش على بالى».
<< وبجانب هذا العصر زمان: نجد محمود شكوكو الذى صنعت له الجماهير التماثيل واشتهر بعبارة «شكوكو بإزازة» لم يكن صوته شجياً.. ولكن بحته هنا شدت الناس. وعلينا أن نفرق هنا بين المطرب والمنولوجست خصوصاً وهو يغنى: تعالى لى يابطة.. وأنا مالى هه.. نار بعدك شطة.. وأنا مالى هه.. لنصل إلى أحمد عدوية وأغنيته الأشهر «السح الدح إمبو».
وها نحن الآن نعيش عصر شعبان عبدالرحيم الذى يضغط على آذاننا وكأنه يستخدم مكواة الرجل التى عمل عليها.
<< وهؤلاء وغيرهم دخلوا عالم «الأداء» ولا أقول الطرب.. حتى وان كان البعض يعشقون طريقتهم فى الأداء التى جذبت إليهم نوعية معينة من المستمعين، حتى ولو كانوا من سائقى التوك توك والمينى باص، ويمكننا هنا أن نقول إن لكل عصر مطربيه.. وأيضاً من يؤدون حتى ولو لم يطربوا جمهوراً كان يرتدى أفضل ما عنده رجالاً ونساء وهم يجلسون ـ دون حراك ـ يحلمون بما تطربهم به الست، أم كلثوم.
<< أنا نفسى لم أهتم فى شبابى بالمطربين ولكن عندما تعمقت شدتنى الأصوات الرخيمة.. الشجية.. مع الكلمة العذبة.. واللحن البديع. ورحم الله زمن الفن الأصيل.