هو عبث وتغييب فى آن واحد، ذلك الإسفاف الخطير، الآخذ فى التزايد والانتشار، والكذب أيضاً، ذلك المتعلق بتلك الرسائل المتداولة، على الواتس آب، والإيميلات، ومواقع التواصل الاجتماعى، تارة تزعم أن هيلارى كلينتون، وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة، ذكرت فى كتابها ما نصه كذا وكذا، وتارة تزعم أن المشير محمد حسين طنطاوى، وزير الدفاع السابق، ذكر فى شهادته على العصر كذا وكذا، وتارة أخرى تزعم سيناريوهات غريبة بأسر قائد الأسطول الأمريكى، أو حصار قواتنا للأسطول بعرض البحر المتوسط، وعلى الرغم من الكشف السريع لكذب هذه المزاعم، إلا أنها لا تتوقف.
ما يتعلق بكتاب هيلارى كلينتون، نسى الكذابون أنه موجود بالأسواق، وأنه تمت ترجمته، وبالتالى فإن كشف ذلك الخداع لن يستغرق وقتاً، أما ما يتعلق بالأمر الخطير الذى كشف عنه المشير طنطاوى- حسب نص الرسالة- فقد نسى الكذابون أن الفريق أحمد شفيق ما زال على قيد الحياة، والذى ذكرته الرسالة كأحد أطراف وقائعها، لذا فإن الرجل لم يتوان عن إصدار بيان تكذيب من دُبى، حيث يقيم، وصف فيه من يقفون وراء هذا الأمر، بأنهم مدفوعو الأجر، وأن المستوى هزلى، من واقع الخيال والتأليف، ولا يرقى لمستوى كتابة فيلم هزلى للأطفال، واصفاً ما يجرى بأنه استهتار بعقول البشر، أما ما يتعلق بأسر قائد الأسطول الأمريكى فيبدو أن بلاده أرادت التخلص منه، لذا فهم لا يطالبون بالإفراج عنه، كما لا يكترثون لحصار أساطيلهم فى البحار عموماً، خصوصاً إذا كانت من قوى عظمى!.
واضح جداً أن من يقفون خلف هذا العبث أرادوا تغييب الشعب، وأرى أنه كان عليهم أن يتراجعوا فوراً مع تطور الأحداث، ذلك أن تداعيات كشف الكذب تأتى بردود فعل سلبية، تحتاج إلى سنوات وسنوات لإعادة بناء الثقة، وقد يكون من يقفون خلفها على النقيض تماماً، كانوا من الخبثاء طوال الوقت، أرادوا تلك النتيجة الحاصلة الآن، وقد كان لهم ما أرادوا، فتحول الأمر إلى هاشتاجات من السخرية، والتندر بسذاجة مخترعيه، وكيف أنهم من السفه إلى درجة لم يألفها المجتمع من قبل، حتى فى ظل أضعف الحكومات.
النتيجة واحدة فى النهاية، شعب يقضى الجزء الأكبر من حياته فيما لا يفيد، دراسات، واستطلاعات، وبرامج، ومقالات، وسجالات حول طبيعة وحجم ثورة أو مظاهرات أو احتجاجات ١١/١١، ليكتشف الجميع فى نهاية الأمر أن أحداً لم يَدعُ إلى ذلك الخروج العظيم أبداً، رسائل وإيميلات ومناقشات وحوارات حول ما ورد فى كتاب كلينتون، أو شهادة المشير، لنكتشف فى النهاية أننا أمام خدعة كبرى، فتاوى وتهليل وتكبير وتسلم الأيادى، بعد أسر قائد الأسطول، لنكتشف الوهم فى أبشع صوَره، هو العبث الذى لا يدرك من يقفون خلفه، كم سيكون مكلفاً فى المستقبل، حين يخرج ذات يوم، بيان رسمى حقيقى وصادق، ولا يجد من يُصَدقه.
استخدام هذه الأساليب أيها السادة، فى كسب ود الرأى العام، أو رفع روحه المعنوية- حسب التعبير الذى تم استخدامه يوماً ما- هو دليل على الخواء الفكرى والسياسى والعلمى، وكل شىء تقريباً، هو دليل الاعتماد على مجموعات من الفاشلين الذين يبدعون فى كيفية إغراق المركب، ليس شيئاً آخر، هو فشل واضح فى التواصل مع الرأى العام بالصدق، والشفافية، والمكاشفة، والوضوح، رغم أنها أقصر الطرق للإقناع والتفاهم.
حسب المعلومات المتوافرة، هناك لجان وكتائب إلكترونية كثيرة جداً تعمل فى هذا الإطار، وبتقييم ما يصدر عنها سوف نجدها على قدر كبير من الغباء السياسى والاجتماعى، وسوف نجدهم على هذا الحال فى كل المناسبات والأزمات، وبصفة خاصة فى مواجهة منتقديهم، ذلك أنهم يغضبون حينما نصفهم بالفاشلين، يخشون إذن من وقف السبّوبة، على الرغم من أننا طوال الوقت نطالب بتوفير فرص عمل شريفة للعاطلين، الباحثين عن عمل، إلا أننا نؤكد أيضاً أن كل شخص يجب أن يكون منتِجاً فى مجتمعه، وليس مجرد بلياتشو، ذلك أن ميزانية الدولة مثقلة بالأعباء أصلاً.
على أى حال، رغم أن هناك الكثير من الأوضاع فى حاجة إلى إعادة تقييم، إلا أن ما يتعلق منها باحتواء الرأى العام، أو السيطرة عليه، يجب أبداً ألا يقوم على الخداع أو الغش، لأى سبب كان، أدعو ودون مواربة إلى حل كل هذه اللجان والكتائب، وتوفير ما يتم إنفاقه عليها، ذلك أن أمرها أصبح مكشوفاً للجميع، بل أفرادها أيضاً، سواء كانوا يعملون من خلال أسماء وحسابات وهمية، أو حتى حقيقية.
لنبدأ صفحة جديدة قائمة على احترام المواطن، احترام عقليته، احترام إرادته، وهو فى النهاية يستطيع التفريق بين الغث والسمين، فيما يصدر من أفراد أو جماعات مناوئة يمكن أن تعمل فى هذا الصدد، بل يستطيع كشفها ودحضها هى الأخرى، ذلك أننا أمام أوضاع غير قانونية من كل الوجوه، وقد يأتى اليوم الذى يقف فيه كل هؤلاء، أمام القانون، يدفعون عن أنفسهم جرائم، كانوا مجرد وقود لها، إلا أنهم لم يكونوا أبداً مشعليها، ذلك أن الآخرين يعملون من وراء الستار، كزعماء العصابات تماماً.