مصطفى بكرى
إفشال مؤامرة 11/11 ليس شيكاً على «بياض»
لم يكن الأمر حدثاً استثنائياً. اقرأوا تاريخ شعب مصر على مدى العقود الماضية، كان دوماً عند مستوى التحدى، فى أعقاب هزيمة 67، راهن الغرب على انهيار الدولة المصرية، جيش محطم، أكثر من ٨٠ ٪ من معداته تم تدميرها، قناة السويس تم إغلاقها، غارات العدو الإسرائيلى وصلت إلى عمق البلاد، لكن الشعب المصرى خرج فى 9 و10 يونيو ليعلن وقوفه خلف القائد جمال عبدالناصر، يرفض الاستقالة، ويهتف «حنحارب، حنحارب، موش خايفين، حنحارب».
وعلى مدى ست سنوات من الصمود والتحدى، وحرب الاستنزاف، والتقشف، نجح المصريون فى عبور القناة وتحرير الأرض ليستعيدوا بذلك صفحات من تاريخهم الطويل، دفاعاً عن كيان الدولة وكرامة الوطن.
ويوم الجمعة الماضى 11/11 كان المصريون على موعد مع القدر، لقد راهن البعض على حالة السخط والغضب التى عمّت الشعب المصرى فى أعقاب «تعويم الجنيه» وغلاء الأسعار، وكانت حجتهم فى ذلك تستند إلى عدد من الحقائق أبرزها:
أولاً، أن القرارات التى تم اتخاذها طالت «لقمة العيش ومستوى المعيشة» بدرجة ربما لم تحدث من قبل، وهو أمر يرفضه الشعب المصرى أياً كانت المبررات، وتراثه فى ذلك معروف.
ثانياً، أن القرارات التى أصدرتها الحكومة قبل 11/11 بأيام قليلة سببت صدمة كبيرة لدى الفئات الاجتماعية المختلفة، وهو ما يمكن أن يدفعها إلى مواجهة الحدث برد فعل فجائى سوف يجد بالقطع أرضية خصبة ينطلق منها دون جهد أو عناء.
ثالثاً، أن الطبقة الوسطى، صانعة التغيير فى المجتمع، أصيبت هى الأخرى فى مقتل من جراء هذه القرارات، ورغم أنها تمتلك آليات التحريض بكافة أشكالها، الجماهيرية والإعلامية، فإنها كانت عند مستوى المسئولية، وجاءت ممارساتها لتعكس وعيها المتقدم بطبيعة الأحداث الراهنة، والأسباب التى دعت الدولة المصرية إلى الإقدام على مثل هذه القرارات.
رابعاً، لقد أثبت الشعب المصرى عبر هذا الحدث وعياً متقدماً، وإدراكاً لخطورة المؤامرة، وقراءة صحيحة لواقع البلدان المجاورة التى طالتها الفوضى، فشردت شعوبها، وقوضت مؤسساتها، وأسقطت أنظمتها.
خامساً، أدرك الشعب المصرى أن ما يجرى من تحريض واستعدادات لا يعكس مصداقية من الداعين والمحرضين تجاه مصالح المصريين ومتطلباتهم، وإنما هو محاولة فاشلة لاستغلال رفضهم وسخطهم من القرارات التى أصابت حياتهم المعيشية فى مقتل، وإنما الهدف هو إسقاط الدولة ومؤسساتها لحساب عودة جماعة الإخوان للقفز على السلطة من جديد، وهو ما رفضه المصريون بكل شدة وعناد، واختاروا الوقوف مع الدولة، ورفضوا توظيفهم لمصلحة جماعة الإخوان والفوضى.
لكل هذه الأسباب كان الكثير من المحللين على ثقة ويقين من أن يوم 11/11 سوف يمضى دون أن يعكر الصفو أحداث طارئة أو مظاهرات معادية أو محاولات لجر البلاد إلى سابق عهدها.
لقد تعلم المصريون الدرس جيداً، من خلال تجربتهم مع ما سمى بالربيع «العربى» خلال السنوات الماضية، وبات فى قناعتهم أنه لم يكن ربيعاً ولم يكن عربياً، بل هو خريف «عبرى»، كان المستفيد الوحيد منه هو العدو الصهيونى والاستعمارى، وأنه خطة جديدة استهدفت إعادة إنتاج اتفاقية «سايكس بيكو» جديدة، تقضى هذه المرة على كيان الدولة الوطنية وتجزئها.
لم يكن غريباً على المصريين أن يبدأوا حملة «ساخرة» فى أعقاب هذا الفشل لجماعة الإخوان ومخططاتهم الداخلية، ذلك أن رهاناتهم باتت فاشلة، سواء الرهان على الشعب المصرى لتخريب البلاد، أو رهاناتهم على قوى الخارج، التى أثبتت أيضاً أنها، ورغم امتلاكها كافة آليات التحريض (المال والإعلام ومواقع التواصل الاجتماعى ومنظمات المجتمع المدنى «الممولة» والحصار الاقتصادى) فإنها عجزت عن اختراق العقل المصرى وإقناعه بالعودة مجدداً إلى ما سمى بسياسة «الفوضى الخلاقة»، التى ثبت أنها لم تكن سوى فوضى «هدامة»!!
صحيح أن البعض قال إن سقوط «هيلارى كلينتون» المعروفة بعلاقاتها مع الإخوان ونشطاء السبوبة فى انتخابات الرئاسة الأمريكية أثار الإحباط لدى الإخوان وأنصارهم، باعتبار أنها كانت تمثل غطاء سياسياً لهم، إلا أن السقوط الأكبر كان هو موقف الشعب المصرى الذى حاولوا دفعه إلى الخروج بكل السبل، لكنه كان بمثابة حائط «صد» ضد كافة هذه المخططات.
لقد أدرك الجميع فى الداخل والخارج أن الشعب المصرى قرر الوقوف مع دولته وقيادته، وأنه بالتأكيد غاضب من بعض الممارسات، وأنه يشعر بوجود تخبط فى السياسات، إلا أنه أعلنها وبوضوح كامل: «سنمنح الرئيس السيسى فرصة لاستكمال مشروعه فى إعادة بناء مؤسسات الوطن وإصلاح الأوضاع الاقتصادية فى البلاد التى تفاقمت بفعل عوامل عديدة، لا تتحمل الإدارة الحالية مسئوليتها بالقطع».
وإذا كان الشعب المصرى قد أعطى القيادة فرصة جديدة، فليس معنى ذلك أنه منحها شيكاً على بياض، بل إن الفرصة مشروطة بتعهدات الرئيس التى أعلنها أكثر من مرة، من بينها البدء فوراً فى إصلاح الأوضاع الاقتصادية والمجتمعية خلال فترة زمنية محددة.
إن الشعب المصرى عانى كثيراً، وتحمل كثيراً، ولكنه بالقطع يدرك أن فاتورة المعاناة هى حماية الدولة من السقوط، وانتظار بعث الأمل من جديد، خاصة أنه يدرك أن قيادته الحالية تعكس فى أدائها قيم الشفافية والنزاهة والحرص على مصلحة البلاد، وهذا فى حد ذاته كفيل بأن يلهم المصريين صبراً وعناداً لمواجهة الظروف والتحديات.
إن أمام الرئيس السيسى فرصة تاريخية لإعادة صياغة استراتيجيته، واختياراته، بحيث يتمكن من ترجمة سياساته ورؤيته بشكل صحيح على أرض الواقع، بما يحقق الآمال التى وعد بتحقيقها وأولها «مصر أم الدنيا.. وحتبقى أد الدنيا»، وإذا كان ذلك الطرح يمثل هدفاً استراتيجياً مستقبلياً، فإنه وفى المنظور القريب، يجب أن يشعر المصريون، أن حياتهم الاجتماعية تبدلت إلى الأفضل، وأن الأسعار التى تلهب ظهورهم، قد تراجعت حدتها، وأن وطنهم يمضى على الطريق الصحيح.
فى الفترة المقبلة، علينا جميعاً أن نصارح الرئيس بكل شىء، وأن نلبى دعوته بالمشاركة فى المسئولية من خلال العمل والأداء، والحرص على قيم الشفافية والانتماء، فالوطن ليس ملكاً لشخص معين، يتحكم فيه كما يشاء، ولكنه ملكنا جميعاً، نحن الذين تصدينا للفوضى وللإخوان، وفى سبيله نتحمل الواقع الصعب، ونتصدى لكل المؤامرات، ومستعدون أن ندفع أرواحنا وحياتنا ثمناً لأمنه واستقراره، وعزته وكرامته.