في ظل التحديات والظروف الاقتصادية الصعبة التي تتعرض لها بلدنا يبرز دور المواطن الوطني الصالح المحب لبلده والمحب لدينه الآمر بالتعاون والتآزر والتكافل مع المجتمع بغرض مرور مثل هذه الأزمات والمشكلات التي لا تخلو منها أمة خاصة بعد عملية الإصلاح الاقتصادي التي بدأتها الحكومة ولا ننكر آثارها علي الفقراء والمحتاجين رغم ما تحاول أن توفره لهم الحكومة من رعاية وحماية اجتماعية.. وهنا يحثنا ديننا الحنيف بأن قوة الإيمان والتصديق برسوله صلي الله عليه وسلم تجعل النفس الإنسانية تشرق بالكثير من صفات الخير وتتحلي بالآداب والفضائل العظيمة وقد صنع ذلك الإيمان وذلك التصديق جماعة اصطبغ سلوكهم بالشمائل الجليلة فكانوا يؤثرون إخوانهم بأموالهم وأنفسهم علي أنفسهم ويقدمون حاجة اخوانهم علي حاجتهم حباً لهم ورغبة في اخوتهم.
والإيثار هو "تقديم الغير علي النفس وحظوظها الدنيوية رغبة في الحظوظ الدينية وذلك ينشأ عن قوة اليقين وتوكيد المحبة والصبر علي المشقة: يقال آثرته بعدا أي خصصته به وفضلته" "القرطبي".
وفي مجال الإيثار بالمال قال الله تعالي: "والذين تبوؤا الدار والإيمان من قبلهم يحبون من هاجر إليهم ولا يجدون في صدورهم حاجة مما أوتوا ويؤثرون علي أنفسهم ولو كان بهم خصاصة ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون" "الحشر 9".
يقول ابن كثير في تفسير قوله تعالي "ويؤثرون علي أنفسهم ولو كان بهم خصاصة" يعني حاجة أي يقدمون المحاويج علي حاجة أنفسهم ويبدأون بالناس قبلهم في حال احتياجهم إلي ذلك وقد ثبت في الصحيح عن الرسول "صلي الله عليه وسلم" انه قال "أفضل الصدقة جهد المقل" وهذا المقام أعلي من حال الذين وصف الله بقوله تعالي "ويطعمون الطعام علي حبه" فإن هؤلاء تصدقوا وهم يحبون ما تصدقوا به وهؤلاء آثروا علي أنفسهم مع خصاصتهم وحاجتهم إلي ما أنفقوه.
ومن هذا المقام تصدق الصديق "رضي الله عنه" بجميع ما قاله له الرسول "صلي الله عليه وسلم" ما أبقيت لأهلك فقال: أبقيت لهم الله ورسوله "ابن كثير".
وجاء في الكشاف: ان الرسول قسم أموال بني النضير علي المهاجرين ولم يعط الأنصار إلا ثلاثة نفر: أبا دجانة وسهل بن حنيف والحارث بن الصمة وقال لهم: ان شئتم قسمتم للمهاجرين من أموالكم ودياركم وشاركتموهم في هذه الغنيمة وان شئتم كانت لكم دياركم وأموالكم ولم يقسم لكم شيء من الغنيمة فقالت الأنصار: بل نقسم لهم من أموالنا وديارنا ونؤثرهم بالغنيمة ولا نشاركهم فيها فنزلت الآية "الكشاف".
وقال رسول الله "صلي الله عليه وسلم": عن سهل بن سعد "رضي الله عنه" ان امرأة جاءت إلي الرسول ببردة منسوجة فقالت: نسجتها بيدي لأكسوكها: فأخذها النبي محتاجاً إليها فخرج إلينا وانها أزاره فقال فلا اكسنيها ما أحسنها فقال نعم. فجلس النبي في المجلس ثم رجع فطواها ثم أرسل بها إليه فقال له القوم: ما أحسنت.. لبسها النبي محتاجا إليها ثم سألته وعلمت انه لا يرد سائلا فقال والله ما سألته لألبسها إنما سألته لتكون كفني قال سهل فكانت كفنه "رياض الصالحين".