التحرير
أحمد بان
كيف تفرقت أمتنا أشياعًا؟
لم تشغل قضية المسلمين مثلما شغلت قضية الخلافة حركات وشعوب ومذاهب، حتى نجحت بعض الحركات فى جعلها من ثوابت الدين، بالرغم من أنها ليست كذلك فقد نجمت عنها أدوار متعددة للخلاف، فلم يرد عن النبى صلى الله عليه وسلم نص قاطع أو إشارة واضحة إلى من يكون الخليفة من بعده، وكل ما ورد فى ذلك أن النبى صلى الله عليه وسلم عند مرضه أمر أبا بكر بأن يؤم المسلمين فى الصلاة، فقال قائلهم لقد رضيه لديننا أفلا نرضاه لدنيانا، وفى هذا خلط كبير بين مقام الدين وإقامة الشعائر، ومقام الدنيا وإقامة المصالح وإدارة العمران البشرى، أو بلغة الفقهاء هذا لزوم ما ليس بلازم، لأن سياسة الدنيا غير شؤون العبادات فلا تكون الإشارة واضحة، وفوق ذلك كله فإنه لم يحدث فى اجتماع السقيفة أن احتج أحد المجتمعين بهذه الحجة، ويظهر أنهم لم يعتقدوا تلازما بين إمامة الصلاة وإمرة المسلمين، وهنا قد يسأل القارئ لماذا لم يذكر القرآن أصول الخلافة؟ أو لم يبين شروطها وأوصاف من يجب أن يكون خليفة؟ يجيبنا العلامة محمد أبوزهرة "بأن القرآن الكريم قد وضع للحكم الإسلامى أصولا ثلاثة هى العدالة والشورى والطاعة لأولياء الأمر فيما أحب المؤمن وكره، إلا أن يؤمر بمعصية فلا سمع ولا طاعة". هذه هى شروط الخلافة التى لا تتعارض مع التجربة البشرية التى أثمرت الديمقراطية فى مسيرة الشعوب، فإن حقق أى نظام حكم العدل وتحلى بالشورى أو الديمقراطية، فله على الناس حق الطاعة، لكن فى المعروف بالطبع، فهل مضى اختيار الخليفة منذ البداية على تلك القواعد أو المعايير، أتصور أنها لم تكن قعدت بعد ولا تعارف الناس على تعريفها وتأصيلها كمنهاج عمل، لكن المسار ربما عرف سلوكا آخر. الأنصار رأوا أن يكون الخليفة منهم لما لهم من فضيلة الإيواء والنصرة، فهم حماة الإسلام ونصراء الرسول، ولم يروا أن النبى صلى الله عليه وسلم خصها ببطن من بطون العرب ولا بقبيلة من قبائلهم. فريق آخر على رأسهم أبو بكر وعمر، رأوا الأمر للمهاجرين لأنهم السابقون الى الإسلام، ولأن العرب لا تدين إلا لقريش بمعنى القوة والمنعة. فريق ثالث رأوا أن تكون الخلافة فى بنى هاشم وهم أسرة النبى صلى الله عليه وسلم، ونادوا بعلى بن أبى طالب لامتيازه على كل بنى هاشم بالسبق الى الإسلام، والدفاع عنه فى المواقف والعلم والفقه فى الدين.

تأمل فستجد تباينا واسعا فى التقدير بين أحزاب ثلاثة كلهم صاحب النبى صلى الله عليه وسلم، وكلهم عايش نزول الوحى وعاين سلوك النبى فى السلم والحرب والمعاش، ولو كان يجمعهم تصور واحد فى الأمر، كما جمعتهم الصلاة والصيام والزكاة والحج ما اختلفوا وما تباينت وجهات نظرهم، ورغم ذلك فقد اتفق المسلمون تاريخيا على أمور رضوخا للواقع والتجربة التى جمعتهم، دون أن يكون ذلك إجماعا فى الدين فقد اعتبروا جواز انتخاب الخليفة شرعيا ما مر بثلاث طرق، الأولى هى طريقة انتخاب أبى بكر الصديق، حيث اعتبروه انتخابا مباشرا حصل سريعا فى سقيفة بنى ساعدة، والثانية طريق العهد وقد حصل ذلك فى انتخاب عمر بن الخطاب عندما اختاره أبو بكر وعهد إليه ثم أخذ البيعة له من المسلمين، أما الثالثة فقد رشح فيها الخليفة عددا يختارون هم من بينهم واحدا يتقدم المسلمون لمبايعته. الطرق الثلاث يكاد يجمع أهل السنة على أنها طرق شرعية، باعتبار أنها انعقدت لأعلام فى الدين والورع والعلم بالسنة، لكن من قال إن الحكم هذه فقط مقوماته؟ أو طرقه؟ بمعنى هل الأمر توقيفى أم يخضع لتغير الأحوال والأزمان والتجربة البشرية الممتدة، ولأنه ليس توقيفيا ولم يقل أحد من الفقهاء بذلك، ولأن المسلمين الأوائل صحابة وتابعين وتابعى تابعين، لم يتفقوا على إطار صارم أو محدد أو نظرية سياسية معيارية يحتكمون إليها، فقد اختلف المسلمون إلى مذاهب سياسية بين شيعة وخوارج، أهل سنة وفقهاء، محدثين. وراكم كل فريق مذهبه الفقهى والسياسى مقتربا أو مبتعدا من غيره من الفرق، لكن تمايز كل فريق فيما اعتبره نظرية سياسية متكاملة، فعوَّل الشيعة على ولاية الأئمة المعصومين، الذى تطور لولاية الفقيه فى انتظار عودة الإمام، وأقاموا دولة على أساس تلك النظرية كلنا يعرفها هى إيران، وقبلها نجح الشيعة فى إقامة دولة الإمام كما كانت الدولة الفاطمية، ورغم أنه لا يمكن الحديث عن تلك النظرية فى عجالة فإنها فى تقديرى لم تصل بعد إلى صورتها النهائية، حيث عبرت حتى الآن عن اجتهاد الخومينى الذى خالفه فيه بعض علماء المذهب، كما أن السنة لا يشاركون الشيعة هذا التصور ولا يعتبرونه الأقرب لتصورهم للسنة، لكن الحقيقة أن المذهب الشيعى امتلك حيوية سياسية أكثر وراكم تجربة أعرق من السنة، وأنا أقول ذلك وأنا سنى المذهب، وإن كنت أحب أن أصف نفسى بما وصفنى به القرآن مسلم وفقط، وربما هذا حديث آخر يحتاج منا إلى مقالات قادمة نحرر فيها من هم الشيعة ومن هم الفرق الأخرى، وما أسس مذاهبهم وكيف صنعت شتات أمتنا، رغم أن ما يجمعنا فى الحقيقة أكثر بكثير مما يفرقنا، ولكنها الأهواء وشياطين الإنس والجن التى اجتالتنا من قديم وما زالت.

تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف