المساء
محمد جبريل
محمود عبدالعزيز
ابن مدينتي. إذا أتاحت لي الظروف أن أخترق شارع الورديان. فإني أحرص - من كوبري التاريخ - علي تأمل البنايات علي الجانبين. والشوارع المتفرعة إلي قلب الإسكندرية الشعبية: كرموز وكوم الشقافة وغربال وغيرها. أحاول تصور البيت الذي شهد طفولته ونشأته. الشوارع التي تحرك فيها صباه. الجيران وأصحاب المحال القريبة الذين حدثهم عن طموحاته الفنية أثناء دراسته في كلية الزراعة. أجد فيه مثلا للموهوبين من أبناء الإسكندرية الذين أضافوا للحياة المصرية في مجالات الإبداع.
استطاع محمود عبدالعزيز - منذ أدائه المتميز في المسلسل التليفزيوني "الدوامة". إلي جانب محمود ياسين ونيللي. أن يعبر عن موهبة لافتة. عبرت عن الشخصية المصرية في أبعادها المختلفة. ثمة الشاب المراهق والزوج المتعب والأب الحنون والشيخ الضرير والقادم إلي العاصمة من الصعيد الجواني ورجل المخابرات والتاجر الكبير وسائق النقل والفتوة والبلطجي.
إن لم أكن شاهدت كل أفلام محمود عبدالعزيز "حوالي 84 فيلما" بالإضافة إلي تسعة مسلسلات تليفزيونية. فقد شاهدت معظمها. بانوراما للمشهد المصري في تاريخنا الحديث. النزاهة والانتهازية. الصعود والهبوط. الثبات علي المبدأ ومحاولة التسلق. وغيرها من الفسيفساء التي صنعت في تعددها واتساعها لوحة متكاملة. تعبر عن الشخصية المصرية في تباين تكويناتها وملامحها الجوانية والظاهرة.
العادة أن الفنان يؤدي الأدوار التي تعكس ملامحه الظاهرة. عدا ذلك فهو استثناء. فاتن حمامة التي قدمت للسينما المصرية - منذ يوم سعيد - أعظم أفلامها. تحركت في دور الفتاة الضحية. والمقهورة. والمظلومة. ورغم أدائها الجميل فإن غالبية من قرءوا رواية يوسف إدريس "الحرام" لم يتصوروا أن عزيزة الرواية هي عزيزة الفيلم. الشعر المصفف بيد الكوافير. الأصابع الخالية من غرس الطين. الثوب الذي تتمني الكثيرات في قرانا المصرية ارتداءه. اللهجة الأرستقراطية التي يصعب أن تصدر عن عاملة تراحيل.. لا أقلل من عبقرية فنانة جيلنا. فهي قيمة مهمة في حياتنا الفنية والاجتماعية. طوعت ما تملك من صوت وتكوين جسدي وملامح بريئة. في تجسيد الشخصية التي كانت انعكاسا لملايين الفتيات من أبناء الأسر المتوسطة. أجادت في أداء أدوار قليلة مغايرة في "لا أنام" و"الخيط الرفيع" و"أفواه وأرانب" و"الحرام" لكنها ظلت في إطار الشخصية التي تتقبلها الطبقة الوسطي وما فوقها. فضلا عن حرصها علي رفض أدوار العري والإغراء التي تتفنن ممثلات هذه الأيام في تقديمها.
قيمة محمود عبدالعزيز في اقتناع المشاهد بكل ما يطالعه به علي الشاشة. لا يفتش عن أداء معين ولا شخصية بذاتها. هو التعبير عن المواطن المصري في توزع بيئاته وطبقاته. ما يعجز سواه عن مجاوزته في شخصيات لا تتفق مع الإطار الذي وضعه فيه مخرجو السينما. وتوقع المشاهد أن يراه داخله!
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف