الأهرام
عبد الجليل الشرنوبى
بهية حين تتجسد (منيً) للوطن (السيِّد)
كل متجول فى شوارع بلدنا وأزقتها، فى الحضر والريف، يكتشف أن رحم (بهية) يطرح آلاف الوجوه العلامات، والسواعد الرايات، وقطرات العرق العزيزات، آلاف من أصغر وحدات صناعة الأوطان وأصلبها، مواطن لا يعرف إلا الانتماء لمنبته، ولا يستطيع التنكر لوطنه مهما قست أسباب العيش فيه، ولا يملك إلا أن يرمى حموله على الله حين يُصْبِحُ موقناً بحتمية كونه الشريك فى ملك يدبره سيده، فيهتف بلسان الحال والمقال (اصطبحنا واصطبح الملك لله).

بهذه اللبنات انطلقت مصر نحو الوجود منذ التاريخ، وبسواعد هذه اللبنات شيدت قلعة بقائها، وعلى هذه اللبنات تُعقَد الآمال فى أن تعبر مصر كل ما يُحاك لها وللمنطقة من خطط إعادة التشكيل عبر معاول (الفوضى الخلاقة) الأمريكانية، وصولاً إلى (شرق أوسط جديد)، يضمن مصالح العدو المزروع استعماراً، والمحتلون الجدد الذين قرروا أن يحلبوا أوطاننا عن بُعدْ.

إن هذه اللبنات الأولية هى الدعائم الرئيسة فى بنيان الإدارة -الحكم-، فما هانت الأوطان فى منطقتنا العربية إلا حين استخفت النظم الحاكمة بمكانة المواطن الرئيس، توهماً منها بأن المصير القرآنى للاستبداد محض حكى عن فرعون (فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْماً فَاسِقِينَ)، ومن تأويل الآية أن يكون استخفاف الحاكم بمواطنيه هو الباعث لانتشار الفسق فعلاً وخلقاً، وبالتالى يكون انهيار منظومة الحكم -أول ما يكون- حين يستخف المستبد بشعبه، فتسرى السلبية طاعة، ويغدو النفاق ولاءً، ليصبح الفِسق عنوان المرحلة تواكلاً أو تغافلاً أو اختلاساً أو ارتشاءً أو جوراً أو تنطعا.

وتتفاعل لبنات البناء فى مصر البهية أول ما تتفاعل مجسدة (حواء)، قادرة رغم كل وهن السنين، وأبية رغم كل مؤامرات الفتن، وعزيزة رغم المحدق بها من دعوات التركيع والذل، لتكون الملجأ لآدم المواطن الساعى لمجدها، والراعى المستأمن على حماها، والحاكم المكلف بإدارة شئونها، يأتيها محملاً برسالة البناء والنماء، فَزِعاً من عظم المهمة وثقل الأمانة ووعورة الدرب، يهتف (زملونى زملونى .. دثرونى دثروني)، فيجد لدى (بهية) من اليقين ما يزمل إرادته، ومن القوة ما يدثر بها عزيمته، ومن الطاقة ما يدعم بها سَيْرَه.هكذا تستحيل حواء المصرية (بهية) ثائرة على فطرة النعومة وكل ثقافة الاستكانة، وجميع أسباب الرفاهة، تجر بجسدها الواهن عربة الوطن المغروسة فى أوحال الفساد والإفساد، والمعطلة بفعل متآمر على كل مكوناتها، والمبتلاه بمحتكرى وقودها ديناً وثقافة ورزقاً، بينما آدم -الوطن- يناجيها (شِدِّى يَا اللِّي، فَــارْدَه ضِلِّي، سِكَةْ مِ اللَّي، عَرقها طَـارِح .. و المطارح للأماني، ما تاه زماني، وأقولها تاني، كِيلها طافح .. والمسارح سمسمية، وجعها فيَّه، بنات بهية، ومين يسامح .. وأنْدَّه يا خِلِّي، يا اللى فاضلي، آمِنْ بـــ ضِلِّي، دا الكُفر سارح)!

تجر ستنا المصرية (منى السيد)، عربتها ساعية على رزق زهيد، تتآمر عليه الدنيا غلاءً وغباءً لتجردها وتجردنا من وطننا القديم، ويتلقف صورتها جمهور متعطش لرمز صمود فى أيام الانكسار، ولراية يقين بوطن بينما الكارهون يسعون لفرض الكفر علينا، تتحرك ستنا بخطواتها على درب الوطن مستعلية على كل مثبطات المرحلة، وغير عابئة بكل مدعى النضال باسم (الغلابة). ولا مكترثة بضجيج نجوم الفضائيات ومليونيراته الذين يتاجرون بالوجع ولا يداووه أو يسكنوه.

عشرون عاماً وستنا تجر عربة الوطن، تغير من حولها النظم الحاكمة، وهى على الدرب تسير أملاً فى الوصول، قامت ثورة تلو أخرى وهى تعالج أسباب ثورتها الذاتية جداً، والوطنية جداً، والحقيقية جداً، والمعجونة كداً، وحدها تجسد (عيش حرية عدالة اجتماعية كرامة إنسانية)، وتصدر بياناً لخريطة طريق الوطن، يستعصى على كل الجهات -الرسمية والسياسية والثورية والممولة والدينية- أن يجاريه بلاغة أو يوازيه صدقاً أو يزنه حقاً، إنه بيان الفعل المختمر نضجاً والمعجون وطنية، والمستوى على نار السعى الحلال الحر.

جرت ستنا عربتها لتعلن يوم الأحد 13 نوفمبر 2016م، تاريخ سيادة للأمانى حين خطت نحو قصر الحكم، لتجلس وعن يمينها المفوض بالإدارة، غير عابئة بفخامة المكان والاستقبالات الرسمية، ولا مكترثة بالكاميرات التى تحيط بها. واثقة تجلس وبين يدها يجلس المكلف بالإدارة فى مقام الحساب أمام برلمان شعبى حقيقى متجسد فى (منى السيد).

جَرَتْ ستنا عربة الشعب إلى قصر الرئاسة، لتضع بين يدى الراعى (منيً) عامة أساسية واحدة (عايزة الستر)، وبعد ذلك كله خير، تذهب إلى عمره أو تحصل على شقة وأثاثها، أو يصبح لها سيارة، أو حتى أسطول سيارات، كل هذا مجرد كماليات على قائمة أولويات (مني) التى تمثل مصر كلها، فمنتهى المنى هو (الستر)، الذى على المفوض بالإدارة أن يستهدفه عبر رؤية ساترة لعورات وطنية تبدت، وآليات ساترة لعلل وطنية تكشفت، وضمير ساتر لكل ثغور الوطن التى عليها مستأمن، إنها (مني) الستر التى يتحقق بها الشعب (السيد)، فى وطن يسود.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف