رضا محمد طه
نصائح معكوسة وخلط المفاهيم:
لم تكن تتصور طالبة السنة الاولي بكلية الطب بإحدي الجامعات العريقة أن أحد الأساتذة وخلال محاضرته الأولي ينصحهم بألا يقوموا بفعل شيئاً لأحد مجاناً، وضرب لهم مثال أنه إذا فرض وأن قابلهم إنسان ليستشيرهم أو ليوضحوا له شيئاً-مثلاً في روشتهة-كتبها أحد الأطباء، فلا يجيبوه ويتركوه دون إجابة، مبرراً كلامه قائلاً لهم بأنكم قد تحتاجون ذلك الإنسان-إن كان يعمل مثلاً بورشة سيارات-في تصليح شيء بسيارتكم فإنه سوف يتقاضي اجره لا جدال في ذلك، لذا فاحري بكم أن تاخذوا أنتم أيضاً أجراً مقابل كل كلمة تتفوهون بها لأي شخص طالما هو في حاجة لها. ولكي يؤكد لهم أنه يسير بهذا المبدأ أضاف الأستاذ أنه في احد الأيام حدث وأن سقط رجل علي الارض مغشياً عليه وصاح البعض من المحيطين به سائلين عن طبيب لينقذه، إلا أنه لم يستجب وتجاهلهم، حتي أنه لم يشعر بتأنيب ضميره بعد وفاة هذا الرجل امامه وفي وجوده، ناسياً نصيحة أحد الحكماء "كُن إنساناً أو مُت وأنت تحاول". لم يكتفي هذا الأستاذ بنصائحه الغريبة تلك لهم لكنه نصحهم بأنهم طالما أصبحوا طلبة في كلية الطب فيجب عليهم أن يتناسوا أو يتركوا أصدقائهم من الكليات الأخري من غير كليات القمة حيث أنهم-من وجهة نظره-قد اصبحوا أعلي مستوي منهم. التلاعب السيكولوجي بمشاعرهم والضرب علي وتر التميز قد يُنمي لدي هؤلاء الشباب صفات مثل الانانية والإستعلاء والتمركز حول الذات ويجعلهم نرجسيون ومتوحدين "إنغلاق عقلي وعزلة شعورية". الأجيال الجديدة بما فيهم شباب الجامعات معظمهم وتأثراً بالمتغيرات التي حدثت في حياتنا خاصة تكنولوجيا المعلومات ووسائل التواصل الإجتماعي قد تأثروا سلباً من حيث القيم النبيلة التي كانت تميز وتزين من يتحلي بها من الأجيال السابقة مثل الشهامة والمروءة والكرم واصبح معظمهم ينظر الي الحياة علي أنها أخذ ومكاسب دون مقابل أو عطاء-جشع- وأصبحت المصالح عندهم فوق المباديء لذا تختفي تدريجياً من مجتمعاتنا محاسن الأخلاق. يا ليت هذا الأستاذ يُغذي في هؤلاء الشباب ويُعلمهم الإعتداد بالنفس والحرص علي الكرامة وعزة النفس ورفض الظلم والقهر والإستبداد بكل صوره، لكنه للأسف لجأ الي براجماتية سلبية وأن "المصالح"هي محور العلاقات بين الناس والمحرك لهم، لا أجد وصفاً للذين يهدمون في ثوابت المجتمعات من قيم ومباديء خاصة من الحاصلين علي أعلي الدرجات العلمية سوي مقولة أحد المفكرين المصريين "إن الشهادات والألقاب عندنا لا تُثبت علماً ولا تنفي جهلاً".