الوطن
حسن ابو طالب
نظرة مختلفة لإيران
من المؤكد أن رئاسة دونالد ترامب للولايات المتحدة سوف تُحدث تغييرات مهمة فى كثير من مناطق العالم المختلفة، وبالقطع ستكون منطقة الشرق الأوسط واحدة من هذه المناطق ربما الأكثر تأثراً. وليس بالضرورة أن يكون هذا التأثير إيجابياً بالمنظور العربى، لكنه على الأقل سيعيد رسم التحالفات فى المنطقة، وسيخلط بعض الأوراق ويثير قدراً من القلق والترقب حتى يستقر الاتجاه العام الذى ستلتزم به إدارة ترامب بعد تشكيلها. وكما هو معروف، فمصر مهتمة بتحسين العلاقة مع الولايات المتحدة وإخراجها من عنق الزجاجة الذى يحيط بها نتيجة لسياسات إدارة أوباما المنتهية ولايته بعد ما يقرب من شهرين. وأعتقد أنه علينا أن نهتم أكثر بما يمكن أن تكون عليه علاقات واشنطن فى ظل إدارة ترامب مع القوى الرئيسية فى الإقليم، كتركيا وإيران والسعودية، وهى العلاقات المفتوحة على مسارات مختلفة ومتناقضة فى آن واحد، أما إسرائيل فمؤكد أن علاقاتها بالرئيس ترامب ستشهد تطوراً نوعياً إيجابياً دون أدنى تردد.

فى هذ السياق، فمن المهم تأمل تصريحات الأمير تركى الفيصل، رئيس المخابرات السعودية السابق، التى قالها فى لقاء مع أحد مراكز الأبحاث فى واشنطن الخميس الماضى، وتضمنت نصيحتين للرئيس الأمريكى المُنتخب، الأولى عدم إلغاء الاتفاق النووى الخاص بإيران، لأنه اتفاق دولى متعدد جاء بعد مخاض عسير، وفيه قيد على إيران ألا تسعى لتطوير برنامجها النووى لمدة 15 عاماً، مما يجعل هناك فجوة فى هذا البرنامج ولن يكون هناك بديل عملى آخر إذا تم إلغاء الاتفاق، أما النصيحة الثانية فهى أن توظف واشنطن الاتفاق النووى الإيرانى كنقطة انطلاق لمنع الانتشار النووى فى الشرق الأوسط، وأن تُمارس ضغوط على إيران لوقف أنشطتها المناهضة للاستقرار فى الشرق الأوسط ككل.

النصيحتان مهمتان؛ فالأولى تبدو إيجابية شكلاً وتصب فى مصلحة إيرانية مباشرة تتمثل فى استمرار التزام الولايات المتحدة بالاتفاق، والثانية تطرح منهجاً براجماتياً لمحاصرة السياسة الإيرانية المثيرة للقلق السعودى والعربى. وقيمة الأمرين معاً تتضح أكثر استناداً إلى أن القائل شخصية سعودية رغم أنها ليست فى منصب رسمى، لكنها ذات ثقل فى النظام السعودى ككل، وآراؤه وتقديراته تشكل أساساً لتحركات سعودية لا سيما تجاه الولايات المتحدة. والواضح أن نصائح الأمير تركى تبدو عملية للغاية وتعكس قلقاً عميقاً من أن تُمنح إيران فرصة لتطوير برنامجها النووى إذا تم إلغاء الاتفاق. وثالثاً أن الهم الأكبر الذى يثير قلق السعودية ودول عربية أخرى يتمثل فى قدرة إيران على التمدد فى أكثر من بلد عربى وبما يشكل تهديداً مباشراً لمصالح المملكة، ويؤمل أن تأتى إدارة ترامب الجديدة بجهود وسياسات تدفع إيران إلى مراجعة سياساتها الهجومية وأنشطتها المثيرة للقلق وتنطوى على تهديدات كبرى. وللمرء أن يتخيل كيف سيكون رد فعل بعض السياسيين السعوديين والإعلاميين الخليجيين ذوى النفوذ إذا جاءت مثل هذه النصائح من طرف غير الأمير تركى الفيصل، فأقل ما كان يوصف به أنه تابع لإيران ويشجع الروافض وأنه خاضع لنفوذ الولى الفقيه ويعمل على هزيمة أهل السنة فى مواجهة الشيعة، وأنه يشكل تهديداً للمملكة ودول خليجية أخرى ومطلوب ردعه ومعاقبته والسخرية منه، وغير ذلك من أوصاف باتت شائعة خليجياً ضد كل من ينظر لإيران نظرة غير مُحملة بهاجس المواجهة المذهبية والطائفية التى سادت فى الأعوام الخمسة الماضية، وصارت طاغية بحيث حجبت الرؤية الصحيحة ومنعت البحث عن أسلوب عملى قابل للنجاح لمواجهة المد الإيرانى فى بلدان عربية عديدة.

والحق أن الهم الإيرانى المتصاعد بالنسبة للسياسة السعودية ليس بحاجة إلى إثبات، فهو ظاهر ومتكرر فى كل يوم تقريباً، لا سيما مع انسداد الأفق السياسى بالنسبة للأزمة اليمنية التى تحارب فيها المملكة بكل ما تستطيع وبمعاونة دول أخرى منذ عشرين شهراً وما زالت المعركة مستمرة، بكل ما يعنيه ذلك من تضحيات أكبر وإثبات عملى بأن العديد من الأزمات فى منطقتنا لا يمكن حسمها عسكرياً أو من خلال حرب بالوكالة، حيث تُسند المهام لجماعات أو منظمات عابرة للحدود يتم دعمها المال والسلاح حتى تجهز على حكومة شرعية لبلد آخر، كما هو الحال فى سوريا مثلاً، والتى تشهد بدورها كما العراق حضوراً إيرانياً متعدد المستويات وتأثيراً مباشراً فى قواعد اللعبة السياسية المحلية، وبما يضفى هيبة ونفوذاً لطهران فى مواجهة انحسار النفوذ لكثير من اللاعبين العرب.

انسداد الأفق السياسى فى اليمن وتحولات موازين القوى على الأراضى السورية والعراقية لا يمكن تفسيره أو ربطه فقط بسياسة إيران الهجومية ونشاطها متعدد المستويات ودعمها لفئات بعينها أو لحكومات تتعرض لضغوط هائلة، فهناك مسئولية على قوى عربية ساهمت من خلال الحسابات الخاطئة والتقديرات غير المحسوبة بدقة فى زيادة مساحة النفوذ الإيرانى فى أكثر من بلد عربى، بحيث أصبح يتسم بالديمومة والكثافة ويخصم عملياً من مصالح عربية وخليجية كبرى. وهنا يتبلور المأزق أكثر وأكثر، ويفرض التساؤل نفسه: هل هناك سياسة بديلة يمكن تطبيقها للحد من نفوذ إيران وفى الآن نفسه الانفتاح المُحسوب عليها والمقرون بشروط حُسن علاقات الجوار والإذعان للمواثيق والمعاهدات الدولية المنظمة لعلاقات الدول وبعضها البعض.

إن فوز دونالد ترامب، وهو من خارج المؤسسة السياسية التقليدية فى الولايات المتحدة، والمقبل بأفكار تتسم بالضبابية والتشوش والمنتظر أن تأخذ وقتاً حتى تصل إلى حافة السياسات المنضبطة والواعية، يمثل فرصة للعرب جميعاً ولكل من مصر والسعودية تحديداً لإعادة النظر جذرياً فى طريقة إدارتهما لملف العلاقات الثنائية وملف قيادتهما المشتركة للنظام العربى ومواجهة التهديدات التى تكاد تعصف به تماماً. وإذا كنا كعرب نسعى إلى حماية مصالحنا وبلادنا، فلا أقل من الحوار الدائم والمنضبط والشفاف للوصول إلى قناعات مشتركة قابلة للتحقيق دون تصور أن طرفاً باستطاعته أن يفرض على آخرين ما لا يعتقدون فيه أو يهتمون به. ولعل أهم الملفات التى تتطلب مثل هذا الحوار الذى تكون مصر فيه طرفاً رئيسياً هو كيف يمكن إعادة تأهيل السياسة الإيرانية من خلال الاشتباك طويل المدى معها، واستلهام خبرة المفاوضات الصعبة بين الدول الغربية وإيران وصولاً إلى اتفاق يمكن لكل طرف أن يدعى أنه يحقق له انتصاراً كبيراً ويعكس توازن المصالح. باختصار مصر وكثير من العرب خاصة فى الخليج بحاجة إلى رؤية وسياسة جديدة تماماً بشأن إيران وطموحاتها واسعة المدى.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف