الوطن
اميمة تمام
علمتنى «مريم» !
قد يكون من أهم أسباب التقاطى لأحد مواضيع مفكرتى الشخصية ليكون بين أيديكم على صفحات «الوطن» هذا الأسبوع هو رغبتى الحقيقية فى طرح أفكار ورؤى وتجارب إنسانية مختلفة قد تستفيد منها أمهات أخريات أو ربّما تود بعض الأسر الاطلاع عليها إثراءً لتجاربهم الأسرية، فمثلاً بقدر كم التدليل والاهتمام الذى نالته ابنتى «مريم» من العظيم الراحل أسامة الباز، بقدر ما ازدادت مهمتى صعوبة وتعقيداً فى التعامل معها ومع قضاياها، خاصة فى السنوات القليلة الماضية مع أسلوبى الجاد معها، الذى ربما كان فى بعض الأحيان حاداً، انطلاقاً من شدة حرصى على توجيهها ورعايتها، واستمرت الأمور هكذا حتى وجدت نفسى وجهاً لوجه معها فى واقع يتحتم على التعامل معه دون الاستعانة بصديق (كما يقولون)، وكان ذلك بالطبع متزامناً مع أحداث السَنَوات الأخيرة بكل أحزانها التى اختُتمت برحيل زوجى رحمه الله والذى سبقته بَعْض الوصايا التى سأفردها لكم فى المذكرات التى سوف تخرج للنور هنا الأسابيع التالية إن شاء الله، وقد استفدت ببعض هذه الوصايا كثيراً جداً فيما بعد فى الشق الذى يخص «مريم»، إلى جانب استفادتى بالطبع من تجربتى الذاتية معها والتى أدعى أنها أكسبتنى بَعْض الخبرة واستخلصت منها بعض الحقائق ربّما كان على رأسها ضرورة ألا يكون الاهتمام بالأبناء مبالغاً فيه لأن شدة الحرص على الأبناء ومصلحتهم قد تؤدى إلى نتائج عكسية قد لا تُحمد عقباها، خاصة إذا ما كان الاهتمام يأخذ شكلاً متطرفاً نتيجة لكثرة المخاوف على الأبناء، وهو كثيراً ما يصل إلى الهوس! فالتطرّف غير محمود فى أى شىء حتى إن كان يبدو أنه يتبنّى الاتجاه الأصوب، هذا إضافة إلى حقيقة ثانية قد لمستها بنفسى أيضاً، وقد وردت لنا من قبل فى حديث لأمير المؤمنين على بن أبى طالب رضى الله عنه وأرضاه، عندما قال لنا ناصحاً: «لا تربوا أبناءكم كما رباكم آباؤكم، فإنهم خلقوا لزمان غير زمانكم»، وهذه أيضاً حقيقة واقعة قد تغيب عن كثيرين منا رغم أنها أحد أهم فنون التربية الحديثة، فعلى الرغم من كثرة الظواهر السيئة التى تطفو على السطح مؤخراً، والتى تعد أمراضاً اجتماعية حقيقية نفزع جميعاً منها، إلا أنه يجب الالتزام بهذه الحقيقة وعدم عزل أبنائنا عن المجتمع، فلا يُعقل أن نربى أبناءنا وفقاً لأزمنتنا نحن، فيعيشوا فى المستقبل أشبه ما يكون بالكائنات الفضائية وسط مجتمعات تستخدم مفردات أخرى مختلفة لا تمت لهم بأى صلة، ثالثاً: أعتقد أنه يَجِب ألا ننساق وراء اعتقاد أن الصغار أقل منا فى قدراتهم على التفكير أو الحكم على الأمور، لأنه اعتقاد خاطئ وغير واقعى أحياناً كثيرة، فقد لا تتعدى الفروق بيننا كونها فروقاً تتعلق بالخبرات التراكمية فقط وإن كنت أرى أنه لدى بَعْض الصغار الكثير من رجاحة العقل وحسن التدبير والتفكير رُبما فى بَعْض الأحيان يفوق من هم أكبر مِنْهُم سناً، حتى إنهم قد يتعاملون بشكل أفضل مع بعض القضايا المعقّدة، وقد يطرحون لها حلولاً إذا ما طلب منهم ذلك، وإذا ما نُميت ثقتهم بأنفسهم من خلال إشراكهم وعدم تهميشهم، ولذلك فقد تعلمت أن أشرك ابنتى فى تفكيرى وبعض قراراتى مؤخراً -إيماناً منى بهذا الجيل العظيم- وأتصور أننى قد تعلمت منها أيضاً الكثير والكثير فنحن نربى أبناءنا غير أننا دون أن ندرى نتعلم منهم أيضاً بعض المفردات الحديثة وأسلوباً متطوّراً وعملياً للتفكير! كما أنّنا نتأكد يوماً بعد يوم أيضاً أن الحياة حقاً مدرسة كبيرة ما زلنا نتعلم فيها من أخطائنا إلى أن نصل إلى نهاية الطريق، ولذلك فقد تأكدت أن علاقة الآباء والأبناء هى حقاً علاقة متكافئة متساوية أشْبَه ما تكون بالصداقة المبنية على الاحترام، كتلك التى كانت بينى وبين والدىّ رحمهما الله فقد كانت علاقة وصداقة تزداد عمقاً بمرور الوقت حتى رحلوا عن دنيانا، ولذلك أذكر نفسى وأذكركم أيضاً بمراجعة منهجنا فى التّربية من حين إلى آخر، وهذا ليس عيباً أو نقيصة، فالحياة تتغير فى كل يوم، والتحديث ومراجعة النفس مطلوبان باستمرار دون حرج، فقط علينا أن نقترب أكثر من أبنائنا وأن نصادقهم، فهذا قد يجعل من رحلتنا معهم نزهة ممتعة جميلة بعيدة عن المخاوف والهواجس أو الشد والجذب! فأنا عن نفسى أعترف بأننى قد تعلّمت من ابنتى كثيراً، بينما كنت منهمكة فى توجيهها! وإلى اللقاء الأسبوع المقبل.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف