المصريون
جمال سلطان
كلام البرادعي خطير ويستوجب ردا رسميا
غاب الدكتور محمد البرادعي طويلا عن المشهد المصري منذ استقالته من منصبه في أغسطس 2013 احتجاجا على ما جرى في فض اعتصام رابعة بطريقة دموية ، وقد نشر رسالة استقالته بطريقة غامضة وموحية وبدون أي تفاصيل مهمة ، ولكنه عاد مؤخرا بصورة مفاجئة ومكثفة للمشهد المصري ، وتقريبا لم يعد يخلو يوم من مشاركة له في الأحداث العامة في مصر من خلال كتاباته على صفحات التواصل الاجتماعي ، تويتر وفيسبوك ، وبعيدا عن الشروح والتفسيرات التي اجتهد البعض في تقديمها عن سبب تلك العودة ، إلا أن الأهم والأخطر في تقديري هو الكلام الذي قاله البرادعي عن ملابسات استقالته من منصبه كنائب لرئيس الجمهورية وبعض الأحداث التي سبقتها ، وكذلك إشارته إلى تهديدات من جهاز سيادي ـ حسب وصفه ـ وصلته تلوح بتدميره إذا تكلم في موضوع الحل السلمي للصراع مع الإخوان وقتها ، وقال الشخصية المصرية الدولية الأبرز والحاصل على جائزة نوبل العالمية للسلام في رسالته الأخيرة ما نصه : (اتُهِمت في 6 أغسطس عندما كنت نائبا لرئيس الجمهورية من كاتب معروف فى مقال مطول بجريدة حكومية بأننى "رجل خطر على الشعب والدولة" (جريدة الأخبار)، وشُن فى مساء نفس اليوم هجوما شرسا على فى التليفزيون من بعض" الضيوف" ثم أعقب ذلك رسالة من "أجهزة سيادية" فى اليوم التالي تُخبرُنى أن ذلك كان مجرد " تحذير" وأنها "ستدمرني" إذا استمريت فى محاولات العمل للتوصل إلى فض سلمي للاعتصامات فى رابعة وغيرها أو صيغة للمصالحة الوطنية. وفي ١٤ أغسطس بعد بدء استخدام القوة فى الفض كانت هناك هوجة هستيرية من قبل "القوى الوطنية"۔ وحتى ما تطلق على نفسها النخبة وبعض شباب الثورة - ترحب بشدة باستخدام العنف وتهاجمني بقسوة لاستقالتى الفورية بمجرد علمي باستخدام القوة رفضا لتحمل أية مسئولية عن قرار لم أشارك فيه وعارضته لقناعتي إنه كان هناك فى هذا الوقت تصور محدد يتبلور حول بدائل سلمية لرأب الصدع. في تلك اللحظة تيقنت بحزن أنه في هذا المناخ لا توجد مساحة لي للمشاركة فى العمل العام وأنني لن أستطيع أن أسبح بمفردي عكس التيار وبالتالي كانت أفضل البدائل بالنسبة لي هي الابتعاد عن مشهد يخالف رؤيتي وقناعتي وضميري) . رسالة البرادعي تشمل إدانة لقطاع من القوى الوطنية والنخبة وشباب ثورة يناير بأنهم دافعوا عن العنف الذي جرى في رابعة وغيرها وتحمسوا له كثيرا بدون إدراك لعواقب ذلك على مستقبل الوطن ووحدته ، وهو كلام صحيح قطعا ، لأنه مسجل بالصوت والصورة والوثائق الصحفية وصفحات التواصل الاجتماعي أيضا ، بيد أن هذه الإدانة تبقى مجالا للحوار السياسي العام ، لكن ما قاله بخصوص أجهزة الدولة ومؤسساتها الرسمية هو الذي لا يحتمل الصمت أو الكلام المرسل ، وإنما يستوجب الرد الواضح والحاسم من الجهات المشار إليها أو القيادة السياسية نفسها ، لأنها أشبه باتهامات من نائب رئيس الجمهورية ، وليس من ناشط سياسي أو شباب المتظاهرين ، فكلام البرادعي الذي يشير إلى تحريك الأجهزة لبعض الأقلام التي تعمل لحسابها ، مثل الروائي الكبير المعروف الذي لم يذكر اسمه ، والاتصال الذي قال أنه وصله مهددا له بالصمت أو تدميره ، وهو نائب رئيس الجمهورية ، وكلامه عن أن رئاسة الجمهورية ـ ممثلة في شخصه ـ كانت تقترب من حل سلمي لفض الاعتصامات ولكن أجهزة سيادية رفضت ذلك وأصرت على الحسم بالسلاح ، وحذرته من الحديث عن المصالحة الوطنية ، هذا كلام خطير ، واتهامات لا يمكن السكوت حيالها ، ولا بد من دحضها رسميا أو تفسيرها ، وعدم الاكتفاء بهجاء الرجل أو تسليط بعض الإعلاميين لإهانته من جديد ، فهذا كله لا يغني عن بيان رسمي يرد على ما قاله ، قبل أن تستفحل تلك الاتهامات وتتبلور دوليا بصورة تعرض الدولة ومؤسساتها للخطر .

تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف