الجمهورية
على هاشم
حتي لا يخدعونا مرة أخري.. لا تنسوا تاريخهم الأسود..!
لم يترك الإخوان منذ جرت إزاحتهم عن الحكم مناسبة إلا ودعوا إلي التظاهر فيها. بدءًا من ذكري ثورة يناير في كل عام مرورًا بالفعاليات المختلفة. وإذا لم يجدوا مناسبة اخترعوها كما حدث في الدعوة المشبوهة للنزول في مظاهرات يوم 11/11 تزامنًا مع نتائج الانتخابات الأمريكية.. لكن أحدًا لم يستجب لهم ولم يخرج فيها أحد. الأمر الذي يجعلنا نتحفظ علي تهويل مثل هذه الدعوات المشبوهة التي لا تبغي إلا إبقاء الدولة في حالة استنفار دائم تستنزف الاقتصاد والاستقرار السياسي. وهو ما يصب قطعًا في غير صالح البلد. ويعطي الفرصة والذريعة لأعدائه لممارسة الابتزاز والضغط اللذين يعوقان حشد الطاقات والجهود كافة لإحداث التنمية المطلوبة وإخراج الاقتصاد من عثرته.
عامة الناس لم تعد تصدق الجماعة الإرهابية التي فقدت قدرتها علي الحشد والتحريض ضد الدولة. لكن ذلك ليس معناه التغافل أو الاستهانة بها فلا يزال تنظيمها الدولي وأعوانه في الخارج يخططون لإفشال مصر الأمر الذي يعني ضرورة السير في خطين متوازيين بدقة ويقظة دائمة. أولهما تعرية الجماعة وفضح ممارساتها بالفكر والبرهان وليس فقط بالمواجهات الأمنية. وثانيهما بذل أقصي الجهود لاحتواء الشباب وتحسين أحوال الناس لضمان ظهير شعبي طبيعي يكون دائمًا في مقدمة الصفوف في حرب الإرهاب ومقاومة التآمر.
الحكومة وحدها لا تكفي جهودها في الانتقال بمصر إلي مربع الاستقرار التام أو الأمن الكامل. الأحزاب والنخبة والإعلام وأجهزة الدولة المختلفة وخصوصًا الثقافة والشباب والتعليم مدعومة هي الأخري لبذل أقصي ما تستطيع لزيادة مساحة الوعي الشعبي الصادق لتفويت الفرصة علي جماعة الإخوان ومن لف لفهم في خداع البسطاء الذين أرهقتهم الظروف المعيشية والغلاء الفاحش. وتبني أولويات وطنية تمنح الأمل في غد أفضل. وتمنع تهيئة المسرح لفوضي جديدة يعد لها معسكر الشر لجرجرة البلاد ـ لا قدر الله ـ إلي انفلات جديد يحيي مشروع الإخوان والغرب في تمزيق ما بقي من الدول المتماسكة في المنطقة. تارة بالنفخ في النعرات الطائفية والمذهبية كما يجري في العراق. وتارة أخري بمحاولة إحداث وقيعة بين الدول الشقيقة بعضها بعضًا كما يحدث بين مصر والسعودية في الآونة الأخيرة. وهو ما يصب في النهاية في صالح إسرائيل والقوي الإقليمية غير العربية كتركيا وإيران.
لم أندهش من صدمة الإخوان في هزيمة هيلاري كلينتون وصعود ترامب إلي سدة البيت الأبيض الذي قضي علي آخر أحلامهم في العودة إلي بحر السياسة من جديد بعد أن ماتوا شعبيًا.. هيلاري كانت متحمسة لعودتهم قسرًا إلي المشاركة السياسية في العالم العربي رغم فظاعة ما ارتكبوه من جرائم في دول المنطقة كسوريا وليبيا ومصر.. الشارع الأمريكي كان له رأي آخر رغم حروب الإعلام وكذبه وأباطيل استطلاعات الرأي الغربية وكبار الكتاب الذين بشروا بهزيمة ترامب لصالح كلينتون.. حزب الكنبة الأمريكي أعلن رفضه لمخططات هدم دول المنطقة.. ترامب صرح بأنه يرفض التدخل في شئون الدول ويمقت الإرهاب.. وأفلح إن صدق.. الإخوان وداعموهم من الدول والمنظمات لا يروقهم صعود ترامب إلي البيت الأبيض. لذلك هلعوا من فوزه وأسقط في أيديهم.. لكن ذلك لا يكفي لمنحنا الطمأنينة في المستقبل. فأمريكا دولة مؤسسات بالمعني الكامل للكلمة لا يحكمها أشخاص وليس بوسع الرئيس وحده أن يحول الدفة أو يغير الاستراتيجيات.. الرئاسة مجرد طرف فاعل ضمن أطراف أخري ليست أقل فاعلية وتأثيرًا.. وهذه معناه ببساطة أن نراهن علي أنفسنا وأن نكف عن رهن مصائرنا في أيدي آخرين نحسبهم معنا فإذا بهم ضدنا كما حدث مع أوباما الرئيس الأسوأ لأمريكا وكنا نظنه حلمًا حقيقيًا في التغيير للأفضل.
11/11 كان كاشفًا لأمور عديدة. باعثًا برسائل مهمة أولاها أن الشارع يرفض الإخوان ولا يثق فيهم ويقول لهم بوضوح: لا مقام لكم فارجعوا.. وثانيًا: أنه اختار الاستقرار والتنمية بعدما تأكد أن البديل مر..وثالثًا: أنه ارتضي تحمل المصاعب الاقتصادية رغم قسوتها ومن ثم فإنه يستحق حياة أفضل وأكرم. وأن تجاهد الحكومة لتذليل متاعبه وحل مشاكله التي ازدادت بصورة كبيرة. ورابعًا: جاءت رسالة الرئيس بالإفراج عن الشباب المحبوس في قضايا صدرت فيها أحكام نهائية تتعلق بالتظاهر أو حرية الرأي والتعبير وأظنها رسالة إيجابية تستحق أن يحسن الجميع استقبالها حتي لا يخدعنا الإخوان برسائل مضادة تشوش علي حقيقة الأوضاع في مصر.
وحتي لا ننسي ما فعله هؤلاء الإخوان فعلينا أن نراجع وقائع جلسات محاكماتهم ومرافعات النيابة والدفاع وحيثيات الحكم خصوصًا في قضيتي التخابر واقتحام السجون المتهم فيها مرسي وجماعته. واللتين تكشفان بوضوح أخطر جرائم العصر في مصر منذ اندلاع ثورة يناير 2011 وحتي زوال حكمهم.. ومن بين ما تكشف عنه تلك الجرائم أننا تعرضنا لأكبر عملية غش ونصب وخداع وتدليس لم يسلم منها أحد. لا المجلس العسكري ولا العناصر الشبابية التي بادرت بالدعوة لمظاهرات 25 يناير. ولا القوي السياسية المدنية ولا جموع المواطنين. ولا حتي وكلاء أمريكا الذين تصور بعضهم أن مجرد امتثالهم لتعليماتها يسوغ لهم المشاركة في حكم مصر. ناسين أنه جري استخدامهم للتمهيد لوصول الإخوان للحكم بصورة تبدو مشروعة أو ديمقراطية عبر صناديق الانتخابات بصرف النظر عما اعتراها من تزوير وبلطجة.
الإخوان منذ تنحي مبارك عن الحكم تعاملوا مع الجميع علي أنهم ¢كومبارس سياسي¢ مسموح لبعض أعضائه بممارسة بعض الأدوار لبعض الوقت وبما لا يتعارض مع غاية الإخوان في الانقضاض علي السلطة ثم الاحتفاظ بها للأبد بعدها ينتهي الدور المرسوم لهذا الكومبارس ليتسلم أعضاء الجماعة تلك المواقع المحجوزة لهم من البداية. وليعلنوا عن نواياهم الحقيقية في الاستئثار بالحكم والبقاء فيه 500 عام كما صرح بذلك قادتهم.
الجماعة لا تكف عن توظيف كل شيء في سبيل الوصول لأهدافها.. وكثيرًا ما رأيناهم يدعون للتظاهر بعد ثورة يناير ثم يتركون غيرهم يخرجون للشارع بينما يتفرغون هم للتخطيط والانقضاض علي السلطة وإقصاء الآخرين أيا ما كانوا بل ويعتبرونهم أعداء حتي ولو كانوا من ذات التيار أو حتي من المتعاطفين معه.. وهو ما أدركه الشعب جيدًا فلم يستجب لدعواتهم للخروج في 11/11 تحت مسمي ثورة الغلابة. ولم يقع في شراكهم مثلما وقع شباب الثورة الذين حرضهم الإخوان علي الخروج ثم تركوهم وحدهم في الميادين. وتفرغوا هم لجني المكاسب وحصد مقاعد البرلمان وكرسي الرئاسة في انتهازية وبراجماتية سياسية. زادت المشهد تعقيدًا وعجلت بسقوطهم المدوي والقضاء علي مشروعهم المشبوه.
طبيعة الإخوان منذ أسسها حسن البنا تقوم علي اعتبار غيرهم أعداء حتي ولو كانوا منتمين لذات التيار. وقد رأينا كيف انقلب مرسي الرئيس المعزول علي أحد مستشاريه من السلفيين. وشكك في ذمته المالية. وكيف زرع 13 ألف إخواني دون غيرهم من أطياف التيار الديني في وظائف حكومية في أقل من عام.. برع الإخوان في ممارسة الخداع بغية التمكين. وكثيرًا ما رأيناهم يسوقون أنفسهم كجماعة دعوية رغم أن مؤسسها أرادها سياسية منذ اللحظة الأولي. و قد فعلت كل شيء من أجل الوصول للسلطة. وارتضت لنفسها أن تكون أداة في يد الخارج بدءًا بالمستعمر البريطاني. وصولاً إلي الراعي الأمريكي.. تقدم نفسها بحسبانها جماعة سلمية بينما أنشأ مؤسسها تنظيمًا خاصًا مهمته ممارسة العنف والاغتيالات والتفجيرات التي لم تتوقف حتي بعد ثورة 25 يناير.. زعمت الجماعة أنها تقبل بالديمقراطية بينما هي تمارس النصب السياسي بالرشاوي السياسية تارة. والشعارات المضللة تارة أخري. والتزوير تارة ثالثة كما رأينا في انتخابات البرلمان والرئاسة عام 2012 وكيف لعبت الجماعة بالورقة الدوارة وبطاقات التصويت المزورة في تلك الانتخابات.
لقد غررت جماعة الإخوان مرارًا وتكرارًا بشباب الحركات والمجموعات التي ارتضت المشاركة في مؤامرات الجماعة لقاء مبالغ مالية.. وهنا يبرز بجلاء دور حركة 6 أبريل التي كشفت أوراق قضية التخابر حصول قيادتها علي أموال مقابل دعم مرسي في انتخابات الرئاسة.
ولعل في كتاب الزميل عبد القادر شهيب ¢ اغتيال مصر: مؤامرة الإخوان والأمريكان ¢ الجزء الثاني. ما يكفي للتدليل علي خيانة الإخوان وتآمرهم.. يقول شهيب ¢ إنني أبغي في كتابي هذا تقديم الحقائق التي تساعد من سيتولي كتابة تاريخ هذه المرحلة من خلال قراءة في أوراق قضية التخابر وما دار في جلساتها لنحو سنة ونصف السنة. وحيثيات الحكم فيها تفاصيل أكبر عملية خداع تعرضنا لها علي يد جماعة الإخوان غررت فيها بكثير منا . حتي نقي أنفسنا من أي نصب جديد فإذا كنا اكتشفنا أننا تعرضنا لأكبر عملية نصب في تاريخ البلاد علي يد الجماعة بعد الثورة فإنه يتعين علينا أن نكوّن مناعة كافية ضد أي نصب أو غش أو خداع جديد لهذه الجماعة تمارسه أو تحاول ممارسته ضدنا.. هذه الجماعة أعلنت الحرب علينا منذ عزل مرسي تحالفًا مع أشرس تنظيمات الإرهاب بل لعلها بدأت هذه الحرب قبل أن ينتفض المصريون ثائرين ضد حكمهم الفاشي المستبد. واستثمرت دعم هذه التنظيمات لها منذ أن قررت عام 2009 الإحاطة بنظام مبارك.. فهذه الجماعة هي عصابة مسلحة وفاشية. وبالتالي من الجنون الحديث عن مصالحة معها تبقيها علي قيد الحياة. وتمنحها الفرصة لكي تنفث سمومها.
انتهي كلام شهيب..ولن تنتهي ـ في ظني ـ دعوات الإخوان المشبوهة للنزول إلي الشارع لإرباك الدولة واستنزافها. ولن تتوقف شائعاتهم التي لا تكف عن ترويجها قنواتهم ولجانهم الالكترونية.. الأمر الذي يوجب علينا اليقظة وفي الوقت نفسه عدم تهويلها أو تضخيمها حتي لا نستفرغ جهودنا ومواردنا في التصدي لمثل هذه الدعوات التخريبية. وحتي لا يعوقنا ذلك عن الأهداف الرئيسية في تحقيق التنمية الحقيقية. وزيادة الإنتاج وتحسين أحوال الناس.. فإنجاز واحد حقيقي يكفي للرد علي آلاف الشائعات.. وإذا لمس المواطن تحسنًا في حياته فلن يتجاوب مع دعوات مشبوهة تطالبه بالتفريط في آمنه واستقراره ومستقبل أولاده.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف