الجمهورية
يسرى السيد
هي امرأة تشبه المستحيلا!!
لينهمرِ الشعرُ بالأغنيات الجديدة بين يديها..
طويلاً.. طويلا.. ألا.. وليؤسس علي قدرها لغةً وعروضًا جديدينِ
يستحدثانِ مقاييس أخري.. وذائقة.. وعقولا..
هي امرأةى تشبه الشمسَ.. إلا أفولا!!
لم اجد غير قصيدة "المرأة الاستثناء" لشاعرنا الكبير محمد محمد الشهاوي كي اصف هذه الفتاة واعبر بمقاطعها الشعرية عن حياة هذه الفتاة..
** مش عايزة غير الستر!!
قالتها وكررتها اكثر من مرة مثل ملايين المصريين حين يدعون بها المولي صباح مساء .. لاتحلم بقصر او فيلا في منتجع او شقة فارهة في التجمع الخامس.. لاتحلم ان تكون مثل فتيات السينما والاعلانات.. احلامها بسيطة "الستر من رب العباد".. تعيش ايامها فقط يوم بيوم مثل العصافير تؤمن أن الله يرزقها وهي تغدو خماصاً وتروح بطاناً.. تستمتع بالحياة التي تعطيها ظهرها دائما ومع ذلك تعاندها رغم مرارتها بقولها الحمد الله .. اعرف ورأيت المئات من المصريين يعيشون تحت خط الفقر وعندما تسألهم عن حالهم يقولون بصدق: " الحمد لله احنا احسن من غيرنا كتير"..
يقولون ذلك رغم انهم لايجدون ما يكفي لسد الرمق.. بعضهم يعيشون تحت بئر سلم او في حجرة لا تزورها الشمس وحمام مشترك مع جيران مثلهم او فوق السطوح تحت شمس لاترحم وبرد لايعرف الا القسوة.. مصريون من طراز انساني خاص.. يحولون مرارة الحياة الي ضحكات صافية ووجع الالم إلي اغنيات تشدو بها الشفاه والقلوب الملائكية..
اقول ذلك عن فتاة الفيسبوك التي تحولت الي نجمة تليفزيونية بعد ان التقطها الاعلامي عمرو اديب من هذا العالم الافتراضي ووصل اليها تليفونيا ثم تليفزيونيا عندما ارسل لها كاميرا البرنامج ومذيعة عاشت معها دقائق ونقلت لنا بعض فصول حياتها التي تمتد الي نحو اربعين عاما.. هي مني السيد بدر.. الغرابة اننا جميعا نستعبط.. وكأننا اكتشفنا كائنا خرافيا لا يعيش بيننا.. لا نريد ان نعترف اننا شركاء في هذا الوجع الذي يحيا بين ضلوعنا..
هي بطلة من الفتيات بحق وحقيقي مثل الكثيرات لكنها مختلفة بعض الشيء.. مثلا لم تخف سنها مثل كل بنات جنسها لانها لاتخجل من أي شيء خاصة اذا كان اسمه الزمن الذي لا يترك أيا منا الا بعد ان يوقع ببصماته عليه .. تواجه الحياة مثل ملايين النساء في مصر بجلد وصبر وبطولة لا يقدر عليها بعض الرجال.. تحمل علي كتفها وفوق ظهرها جبال الهموم وتبتسم.. تجر بيديها الشقيانين تروسكل لا يستطيع جره بعض الرجال.. تنظر من عل والعرق يتصبب من جبينها علي بعض الشباب الجالس علي المقاهي دون عمل وتصفهم بالجملة الشهيرة علي ألسنة أولاد البلد: دول ولاد ماما بتعطيهم المصروف علشان يصرفوه علي القهوة!!
نعم ليست وحدها.. ملايين مثلها يحمدون ربهم علي نعمة الشقي والتعب من اجل لقمة العيش.. ملايين مثلها وقع الزمن علي وجوههن واجسادهن لكن لم يستطع الوصول لارواحهن.. ملايين مثلها يدعون الله ان يموتوا وتراب الطريق علي رجليهم.. ملايين مثلها يدعون الله الا يحوجهم لأحد !!
** هي امرأةى.. قد تفرغت المعجزاتُ لتشكيلها والمقاديرُ.. دهرًا طويلا..
هي امرأةى.. وجميع النساءْ سواها ادعاءْ..
لها البحر من قبل بلقيس عرشى وكل المياه إماء..
يخاصرها الموجُ في نهمي ممعنًا في الصبابة جيلاً.. فجيلا.
ومني بدر كسرت بحكاياتها العفوية الكثير من القصص المتوارثة عن قسوة زوجة الاخ مع اخت الزوج وخاصة اذا كان غائبا عن المشهد..
.. وصفتها بانها احسن من اختها.. ولم يكن الكلام مجرد كلام لكنها برهنت علي كلامها باقتسامها رحلة العمرة الي بيت الله الحرام التي اهداها لها احد رجال الاعمال.. .. فتاة تستخسر في نفسها اللقمة والهدمة من اجل زوجة اخيها واولاده.. كل ما تملكه من حطام الدنيا "ضلفة" في دولاب في غرفة علي السطوح وتروسيكل تجره كل يوم أكثر من 12 ساعة لانها لاتستطيع ان تقوده!!
** ماذا يقول لسان المزاميرِ عنها إذا ما أراد لنا أن يقولا؟..
هي امرأةى تشبه المستحيلا..
هي امرأةى يشرب النورُ.. من قدميها "اللتين تشعَّانِهِ" هاطلات السنا والندي كي يبل الصدي والمغني.. هنالك محتدمًا بأوار التراتيلِ..
يرسلُ اللانهائيَّ في مقلتيها بريد المواويلِ وهو يناغمُ رقرقة الضوءِ إذ يتدحرجُ فوق جبال المدي ليصافح في وجنتيها الصباح الجميلا
نعم وجه مني بدر جميل وحنون يعبر عن وجدان جميل غير حاقد.. غير ناقم من قسوة واقع أو جحود اهل او نكران احباب.. تذكرت مقولة الفنانة الكبيرة امينة رزق حين التقيتها منذ سنوات وانا اداعبها بقولي: انت م تجوزتيش ليه؟
** ردت بعبقرية وعفوية بقولها: نسيت!!
ويبدو ان مني بدر فتاة الاسكندرية نسيت ان تتزوج أوتحب وانشغلت باولاد اخيها..
** "هي امرأةى.. لم تراود سوي الحلمِ عن نفسِهِ"..
وفتاها.. تَوَزَّعَهُ الحلمُ وَحَّدَهُ والشذا..والجوي والنحولا..
فأترع كل الجهاتِ أفاويقَ وجدي.. بهِ ما بهِ من ضنيً لن يحولا..
أجل.. إنه موقف الشوقِ. والتوقِ. والسهدِ. والوجدِ. والشدو. والشجوِ
فلتشهدي يا جميع المواقيتِ..
أن المغنيَ ما زال في حضرة الشوْفِ يتلو كتاب صباباتِهِ. وفِدي من أحبَّ يموت قتيلا..
نعم لم تفكر مثل البنات وتعيش الحلم.. يبدو ان هم الحياة والمسئولية كان اكبر من التفكير في حب وزواج قد يمنعها عن اداء رسالتها تجاه أولاد أخ وصلت بهم مع امهم او تكاد إلي بر الامان مثلها في ذلك مثل كثيرات من البنات ضحين بحلمهن وحبهن من اجل اخوات تحملن مصيرهن بعد رحيل الأب والأم وكلنا يعرف هذا النموذج.. ومثلما اقتسمت مع زوجة الاخ زيارة بيت الله الحرام اهدت ابن اخيها جهاز الزواج بعد ان طلبت الستر من الله فأرسل لها من يحقق الحلم متمثلا في هدية الرئيس عبد الفتاح السيسي لها.. اجدها هنا تتشبث بهذا المقطع الشعري لنزار قباني حين يقول:
** أنتِ فراشةى من حَجَرْ..
لا تحطُّ.. ولا تطيرْ..
وبيدرى لا تهاجمه العصافيرْ..
وجزيرةى لا تقصدها المراكبْ..
وشفةى مكتظّةى بالعنبْ..لكنَّها.. لا تعرفُ طعْمَ النبيذْ..
نعم.. مني بدر ليست النموذج الوحيدپ في مصر لكنها مكافأة الله عز وجل لها هي مكافأة لمن مثلها .. .. اراد ان يقول لها المولي عز وجل ان الله لا يضيع اجر من احسن عملا .. اراد ان يقول لها "وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَي".. ليرسل لنا الله من خلالها رسالة لمن يكد ويتعب.. لم يكن الجزاء ماديا فحسب ولكن معنويا حين استقبلها الرئيس عبد الفتاح السيسي في قصر الشعب مثل كل الرؤساء والزعماء.. ولم يتوقف الامر عند حفاوة رئيس الدولة بها عند الاستقبال فحسب لكن وصل الي درجة التوديع والتوصيل الي باب السيارة.. منطلقا من تصرف الجنتل مان من جهة ومن جهة ثانية تقديرا من رئيس الدولة الي السيدة المواطنة من جهة ثانية وتعبيرا عن احترام الدولة لعرق وجهاد احد اولادها مع الحياة من جهة ثالثة.. بساطة الفتاة تعبر عن جينات وفلسفة المصريين الحضارية العميقة حين دعت للرئيس بالستر وان يعطيه علي قد نيته.. وهنا طلب الرئيس منها ان تدعو له بان يمنحه الله من فضله.. يعني المواطنة لم تطلب من الرئيس شيئا لكنها طلبت من الله الستر فمنحها بعضاً من رزقه. والفارق بينها وبين الرئيس انها لم تطلب منه شيئا وطلبت من الله لكن الرئيس طلب منها ان تدعو له ان يمنحه من فضله.. الاثنان توجها إلي الله.. المواطنة إلي الله مباشرة والرئيس إلي الله عبر المواطنة وهكذا كل رئيس لن يتوجه إلي الله إلا عبر رضاء محكوميه!!
** هي امرأةى تشبه المستحيلا..
هي امرأةى.. قد تفرغت المعجزاتُ لتشكيلها والمقاديرُ.. دهرًا طويلا..
هي امرأةى.. وجميع النساءْ سواها ادعاءْ
نعم هي تشبه الملايين من نساء مصر الذين نعرفهم أولا نعرفهم.. هي فتاة نسيت انها امرأة وتعيش كإنسانة راضية بالتزامات تنوء عنها الجبال لكنها تفعلها برضا وحب وابتسامة..
والسؤال الذي اطرحه علي الدولة كلها.. اليست هذه الفتاة النموذج تجعل الكل يفكر كيف نتجه إلي ملايين الشقيانين التعبانين بمشروعات انتاجية تجعل بلدنا في مصاف الدول الكبري وهي تستحق لان مني بدر ليست الوحيدة لكن واحدة من الملايين..
والسؤال الذي اطرحه علي الجميع: الا تخجلون يا اصحاب الياقات البيضاء والحناجر العالية والفضائيات الملونة والاحزاب الكرتونية ومقتسمي الغنائم.. الا يخجلكم هؤلاء الشقيانين الذين كانوا أول من نزل في ثورتي 25 يناير و30 يونيو واخر من خرجوا من الميادين إلي بيوتهم بحثا عن لقمة عيش.. لم يقتسموا الغنائم أو يصرخوا هنا وهناك وحين يجلس احدهم مع رئيس الدولة ويقول له:اطلب تجاب.. لم يطلب السيد المواطن منصبا ولا صرة ولا حساباً بالبنك بل توجه إلي رب العباد يطلب الستر.. باختصار مني بدر هي واحدة من ملايين المصريين..
** هي امرأة.. ليس لي أن أسميها ..
أو أكَنِّي لطلعتها القلبُ..
يرقص حيناً.وحينًا يغني..
وهْيَ من لا يشابهها غيرها إن أردت المثيلا..
هي امرأة تشبه المستحيلا
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف