الوطن
سهير جودة
حتى لا نفقدها كسابقتها
عندما نمتلك بعض الإشارات والاتجاهات الإيجابية فلا بد أن نقتنص الفرصة لمواجهة الإحباط والانقسامات، ونصطف خلفها حتى لا تضيع مثل سابقتها. ولدينا مؤخراً أشياء تصب فى اتجاه قوى وطرق لا بد من السير فيها، فما حدث فى 11/11 له دلالات لا بد من قراءتها بشكل صحيح، فالشعب تقبّل الصبر والتحمل مقابل الفوضى والخراب، ولكن اختيار الصبر ليس معناه الرضا، ولكنه استوعب جيداً دروس السنوات الماضية ويريد البناء والحياة والتقدم، ولا بد ألا نراهن على هذا الصبر، ولكن على الدولة أن تسرع ببرامج الحماية والعدالة الاجتماعية، إلى جانب مشروعات كبرى تهدف إلى تشغيل الاقتصاد، وتبدأ بمشروعات بسيطة تفتح مجالات لمصادر الدخل وتقليل عبء المرض على الناس وفتح أبواب العلاج المجانى.

رأينا اجتماع الرئيس بالحكومة وتوجيهاته بوجوب وجود برامج الحماية الاجتماعية وضمان عدم ارتفاع الأسعار بما يضمن ألا تكون حياة الفقراء مستحيلة، ويبقى الأهم أن تكون هناك خطوات وتنفيذ، وأن تتحرك الحكومة والجهات التنفيذية بنفس اليقظة والدقة والسرعة وأن يمتلكوا حلولاً تنفيذية ابتكارية بعيدة عن النمطية والروتين والعشوائية والصدفة وإيقاع وفلسفة الترميم، وأن نتخلص من ثقافة التعثر التى تجعل من أدائنا خطوة للأمام وخمسة للوراء وألا تكون رؤية الرئيس فى اتجاه ومسلك الحكومة فى اتجاه آخر مضاد.

لابد أن تستوعب الحكومة والشعب معاً أننا فى مرحلة حياة أو فناء وأن العمل ضرورة وفرض عين وأنه لا يجب أن ينكس أعلامه، فإما العمل واليقظة والدقة والإبداع وإما الفناء، فالظرف الاقتصادى الضاغط يحتاج إلى ثروة بشرية بإيقاع مختلف وليس فقط إلى أموال وأفكار مختلفة، بحيث تُفتح مسارات جديدة لتغيير الواقع إلى الأفضل.

وفى هذا الإطار تأتى الموافقة على قرض صندوق النقد الدولى وارتفاع الاحتياطى ووصول البورصة لمؤشرات جيدة لتعطى أجواء الثقة فى الاقتصاد وفى القدرة على التعافى، ولكن مطلوب من الحكومة ألا تضيع هذا القرض بقرارات تسبب إحباطاً أو شكاً عند الناس، ولا بد أن تواصل كل يوم بث أجواء الثقة فى الاقتصاد باتخاذ خطوات تفتح حلولاً جديدة ومخارج مختلفة للأزمة، ولا بد أن تكون هناك شفافية فى الكلام تعلن فيه أوجه استخدام هذا القرض خطوة بخطوة، فالشعب سوف يتحمل عبء القرض مقابل ما يمول به من مشروعات وبرامج إصلاح اقتصادى، وبالتالى فلا بد ألا تتعامل معه الحكومة باعتباره قرضاً تسدد به عجزاً أو ديناً. لا بد أن تكون أوجه إنفاق القرض واضحة ومعلنة، وهذا فى صالح الحكومة. والمواطن سيمتلك القدرة على التحمل طالما تم رصف طرق الثقة بينه وبين الحكومة.

وبالتوازى مع الظروف الاقتصادية الضاغطة هناك ظرف ضاغط بقوة، وخاصة على الشباب، وهو الحبس فى قضايا الرأى والتعبير.

وما قاله الرئيس فى مؤتمر الشباب بدأ تنفيذه من خلال لجنة الإفراج عن الشباب المحبوسين. وأياً ما كان الرأى فى هذه اللجنة فهى خطوة يُبنى عليها حتى لا يكون هناك مسجون بسبب الرأى والاعتقاد، ولا بد أن تنتبه الحكومة والدولة لخطورة عتمة التشريعات التى تجعل الكثيرين يشعرون بالظلم العابر لأيام، وبعض الشباب الذى على يقين أن أبواب العدالة مغلقة ونوافذ المنطق أيضاً. وفى هذا الإطار لا بد من توسيع قاعدة المشاركة من الشباب، وأن تكون هناك إشارات واضحة بعدم الخوف، وأن من سيفرج عنهم لا بد أن يستمروا فى المشاركة وأن تبث فيهم الطمأنينة حتى لو كانوا مختلفين، فما دمنا نحن جميعاً تحت مظلة وطنية فيجب ألا نرسخ لديهم الخوف أو شعور عدم الترحيب بهم. ولابد أن تنتبه الدولة لضرورة إيقاف قضايا الحسبة التى تعود بأشكال مختلفة ويقوم بها شخصيات تبحث عن الشهرة أو تكون لساناً أو صوتاً لجهة ما، ولا بد من إغلاق جميع الثغرات بطرق قانونية بحيث لا يكون من حق أحد رفع دعاوى قضائية نيابة عن المجتمع، ونطفئ شهوة التشفى فى المبدعين والمشاهير من الباحثين عن الشهرة أو المتطرفين.

ومن الإشارات الإيجابية التى يجب أن نبنى عليها ما حدث فى مباراة مصر وغانا من حيث النتيجة والآثار التى نتجت عنها، فلأول مرة منذ 6 سنوات نرى الاستاد كامل العدد ونشاهد الرقى والتحضر وإعادة الروح للمدرجات، وهى حالة أكبر من مباراة، ولكن نتمنى ألا تكون مجرد لقطة أو لحظة نفسدها بالعودة إلى الظواهر الكارثية وأهمها أن التشجيع أصبح عبارة عن عصابات وأحد طرق التطرف والعنف وإحدى موجات الهيستيريا الجماعية، فالكرة خسرت كصناعة ولكن ما حدث فى مباراة غانا كان مشهداً يغسل كل التشوهات ويؤكد أننا شعب متحضر، ولكن يجب ألا نكون وطناً لا يرتدى ذاكرته الحضارية إلا فى المناسبات ويخلعها عندما تنطفئ الأضواء.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف