معلومة ذكرتها السفارة البريطانية بالقاهرة حول قرض الـ12 مليار دولار قلبت الدنيا كانت مثار جدل خلال الساعات الماضية. تقول المعلومة إن من بين الشروط التى وضعها صندوق النقد الدولى لمنح مصر القرض أن تقوم بسداد مستحقات شركات البترول الأجنبية التى سبق وقدرها وزير البترول بـ3.6 مليار دولار، الأمر الذى يعنى أن أحداً لم يعد يعلم المسار الذى سوف توجه إليه الشريحة الأولى من القرض (4 مليارات دولار)، وهل ستذهب كلها أو جزء منها إلى سداد هذه المديونية أم ستوظف لصالح إنعاش الاقتصاد المصرى، وإصلاح أحواله التى تردت خلال السنوات الأخيرة.
البعض ارتاح إلى تفسير المؤامرة وهو يطالع هذا الخبر، وأكد أن السفارة البريطانية تتآمر على مصر بإعلان هكذا شرط. هذا التفسير مريح، لكنه لا يقدم جديداً ولا يحل مشكلة، وتقديرى أن المسألة وما فيها أن دول الغرب تعمل دائماً لخدمة مصالحها التى يمكن أن تتناقض مع مصالح الدولة المصرية، وظنى أنها غير ملومة فى ذلك. فمنطق الأشياء يقول إن صانع القرار داخل أية دولة مطالب بأن يعمل على تحقيق مصالح دولته ومواطنيه. ومن المعلوم أن دول الغرب تسهم بنسبة لا بأس بها فى تمويل موازنة صندوق النقد الدولى، وعملياً الغرب هو الذى يمنح القروض من خلال ستارة البنك، وتأسيساً على ذلك يحرص صندوق النقد على أن ترعى شركات الغرب الكبرى استثمار وتوجيه هذه القروض داخل الدول الممنوحة. وبناء عليه يبدو من الطبيعى جداً أن يشترط صندوق النقد الدولى على مصر أن تسدد ميونياتها لشركات البترول (الغربية)، وأن يكون لها نصيب معلوم فى الشريحة الأولى من قرض الصندوق، حتى نتمكن من الحصول على الشرائح التالية.
قبل ساعات من البيان الصادر عن السفارة البريطانية بالقاهرة بشأن هذا الشرط، صدر تحذير عن شركة «دانة غاز» بدولة الإمارات للحكومة المصرية، مطالبة إياها بسداد باقى مستحقاتها المالية قبل نهاية العام الحالى (2016)، تحسباً لمراجعة الشركة خطط استثماراتها فى مصر خلال العام المقبل ما لم تتمكن الحكومة المصرية من تسديد كافة المستحقات المطلوبة. وحددت الشركة إجمالى هذه المستحقات بـ887 مليون دينار إماراتى، أى ما يعادل ربع مليار دولار أمريكى. معنى ذلك أن أصحاب نظرية المؤامرة عليهم أن يوسعوا دائرة الاتهام أكثر لتمتد إلى دول عربية، تحاول الضغط على مصر حالياً، وهو أمر وارد بالقطع، لكن السؤال: من الذى سمح بوضع مصر فى هذا الكورنر.. وكيف يمكننا الخروج منه؟!.
من الثابت فى الأدبيات الغربية النقدية أن القروض التى يمنحها صندوق النقد الدولى أو البنك الدولى، أو أية جهة غربية أخرى، تذهب بالأساس إلى الشركات الغربية، ولا تنتفع بها الدول الممنوحة بصورة مباشرة فى تحسين أوضاعها الاقتصادية، وتحويلها إلى اقتصاديات منتجة. هذه الحقيقة التى شهد بها كتاب واقتصاديون غربيون ينبغى أن تؤخذ فى الاعتبار، ونحن نختار سكة الاقتراض، لكن يبدو أن هذا المجتمع تغير كثيراً خلال الفترة الماضية، وكان أبرز المظاهر المرعبة لهذا التغير تلك الفرحة العارمة التى انتابت البعض بعد دخول «قفص القروض»، وكأنهم فتحوا عكا دون أن يلتفتوا إلى «العكة» التى وضعنا أنفسنا فيها!.