رغم كل الأزمات والعثرات لم أفقد إيمانى فى أن إعلام الدولة به من الكفاءات المهنية ما يمكنه أن يقود تياراً للتطوير والتنوير إذا تم دعمه مادياً ومعنوياً.
ماسبيرو لم يزل -فى تصورى- مخزن الكفاءات الإعلامية الحقيقية، فلم يزل بعض المعايير والقواعد المهنية مرعية بدرجة معقولة.
هذه الثقة دعمتها متابعة للعديد من البرامج، وقد استوقفنى أحد البرامج وتابعته باهتمام وهو يقدم لمحات مشرقة من الجهود «العلمية» الرائعة التى يبذلها فى صمت وبعيداً عن الأضواء عدد من علماء مصر الأجلاء والموهوبين فى مجالات شتى.
البرنامج هو «القاهرة تبتكر» ولم يكن الموضوع الذى تعرض له البرنامج هو الذى جذب انتباهى لكن كل عناصر البرنامج الجيد تكاملت فى هذا البرنامج.
أولاً: الموضوعات التى تعرض لها البرنامج (ابتكارات علمية) تقدم مساهمات هائلة فى الجهود العلمية العالمية، وتضع أسماء هؤلاء العلماء بجدارة على مسرح النشاط العلمى المصرى.
ثانياً: الاختيار الموفق للجنة المناقشة والتحكيم وكل أعضاء هذه اللجنة من العلماء المتخصصين والذين أداروا نقاشاً مثمراً مع كل عالم حول ابتكاره وكشف المزايا التى تجعل من هذا الابتكار خطوة عملية على طريق التقدم واللحاق بعلوم العصر المتقدمة.
ثالثاً: إيقاع البرنامج المنضبط، فلم يجنح البرنامج إلى الإغراق فى تفاصيل هامشية مملة، ولم يبتسر المعلومات الأساسية التى تكشف الأهمية العملية لكل ابتكار.
رابعاً: كان مقدم البرنامج نموذجاً ممتازاً لما يجب أن يكون عليه مقدم البرنامج، كان مالكاً لكل أدواته، فلغته العربية سليمة ومناسبة فى كل المستويات الثقافية شديدة التفاوت التى تمثل جمهور مشاهدى التليفزيون.. كان واثقاً من نفسه وهو يقدم هذه القامات العالية من العلماء، هذه الثقة التى تتسرب إلى المشاهد من خلال الأداء اللغوى والحركى المتزن.
هذا البرنامج نموذج للخطاب الإعلامى المحترم الذى نحتاجه هذه الأيام أشد الحاجة، وهو الأداء الذى يجب أن يسود جميع المواد التى تقدم على شاشات أى تليفزيون.
وبعد هذا البرنامج مباشرة بدأت شاشة القناة الأولى فى بث برنامج «حلوة يا بلدى» وكدت أتحول إلى قناة أخرى، لكننى رأيت أن أشاهد هذا البرنامج أيضاً لأرى إن كان برنامج «القاهرة تبتكر» مجرد استثناء، أم أن إعلام الدولة لديه فعلاً خطط لتقديم إعلام محترم تحتاج فقط إلى أن تلتفت الدولة لماسبيرو لحل نسبة كبيرة من مشكلاته لينطلق بكوادره المتميزة فى حركة تطوير تنقذ الجماهير المصرية من التفاهات والبذاءات التى تتدفق من كثير من شاشات الفضائيات الخاصة، وتنسب نفسها كذباً وزوراً إلى مهنة من أشرف المهن وهى الإعلام.
فاجأنى البرنامج الثانى «حلوة يا بلدى» بتقديم تحقيق تليفزونى عن محطة كهرباء بنى سويف وهى من أحدث المحطات التى بدأت تدخل الخدمة جزئياً.
البرنامج قدم صورة كاملة ومعلومات مهمة عن النشاط الهائل الذى يبذل فى مجال إنتاج الكهرباء والحاجة الماسة للطاقة الكهربائية باعتبارها عصب التنمية، ولم يغفل البرنامج الجوانب الفنية التى تكشف عن المستوى المتقدم لهذه المحطة والتى تستخدم أحدث التكنولوجيا العالمية المتاحة فى العالم.
وأستطيع -بضمير مستريح- أن أؤكد أن هذا البرنامج يضاف إلى البرامج المحترمة، رغم أن لى ملاحظة مهنية أرجو من مقدمة البرنامج أن تراعيها مستقبلاً.
أما الملاحظة فهى تركيز الكاميرا على الضيوف وهم يشرحون بعض الأمور المتعلقة بالإنشاءات أو التوربينات وغيرها.
وهذه الملاحظة تنطبق على الكثير من البرامج، والمفروض فى مثل هذه الحالات أن نركز الكاميرا على الإنشاءات أو الآلات التى يشرح الضيف مميزاتها لا أن نركز الكاميرا على مقدمة البرنامج وضيفها.
خلاصة القول إن ماسبيرو لم يزل قادراً على أن يكون قاطرة التطوير الإعلامى فى مصر.