اتسعت نيران الثورة الفرنسية. دفعت الإمبراطورة ماري أنطوانيت رأسها ثمنا لتوالي الأحداث. بعد أن أبدت عجبها من مطالبة الثوار الجوعي بالخبز. قالت: إذا كان الخبز متعذرا فلماذا يستبدلون به البسكويت؟
كان الدافع إلي قيام الثورة غائبا عن الإمبراطورة. حياتها في القصور الملكية. وجلوسها - دوما - إلي مائدة حافلة بأطايب الطعام. واقتصار علاقتها علي الطبقة الحاكمة. وعزلتها عن الملايين الكادحة. الفقيرة. ذلك كله فرض غياب فهمها لبواعث ما حدث. حتي فوجئت بترقب رأسها هبوط المقصلة!
تذكرت تلك الحادثة التاريخية. وأنا أنصت إلي حديث اللورد الإنجليزي. المصري الجنسية. الذي قدمه إبراهيم عيسي ليقدم حلولا لأزماتنا الاقتصادية.
قال الرجل إنه يعتمد علي الأرقام. لكنه طرح أرقاما تغيب عن فهم الواقع المصري. عن القضايا والمشكلات التي يعيشها هذا الشعب في مدنه وقراه. زاد الرجل الطيب فأبدي دهشته من إلحاحنا علي مشكلة السكر. في حين أنه موجود في الجاتوه والتفاح والموز وأنواع أخري من الفاكهة.. وضع ما شئت من علامات التعجب!
البداية الحقيقية لحل أية مشكلة هي أن نتعرف إلي طبيعة المشكلة. إلي جوانبها المختلفة. وتأثيراتها الإيجابية والسلبية. علي ملايين المواطنين. فضلا عن تأثيرات ما بعد إيجاد الحلول. وتطبيقها.
قد يكون الحل - عند صياغته في قانون - مقبولا. بل إن تطبيقه قد يأتي بنتائج مهمة في بدايات تطبيقه. ثم نفطن - بالممارسة - إلي أن القانون يحدث تأثيرات مدمرة بين قطاعات عريضة من المواطنين. والطبقات الفقيرة بخاصة.
من الخطأ أن نعالج المشكلة من ظاهرها. بل يجب أن تستند محاولة العلاج إلي دراسات وفهم لكل أبعاد المشكلة. ليس بالاقتصار علي التأثيرات المرحلية لحل مشكلة ما. وإنما بتداخل المشكلات. وامتداد تأثيرات الحلول إلي المستقبل. بما يطرح نتائج قد تظل مخفية حتي تكشفها الممارسة. ونلجأ - كالعادة - إلي إعادة النظر في القانون. وإجراء التعديلات في بنوده. وهو ما ألفته قوانينا عبر عشرات السنين.
لو أننا أحسنا صياغة مشروع القانون في صورته المتكاملة ما أمكن. قبل أن يصبح قانونا. نبدأ في تطبيقه. فلن يعوزنا التعديل والتبديل والحذف والإضافة. وإنهاء المواد بعبارة تفتح الأبواب المغلقة. كالقول "يستثني من هذه المادة"!
بدلا من محاولات الترقيع. الأوفق أن تجري دراسة مشروع القانون - أي قانون - من كل جوانبه. وأسباب إصداره. وتأثيراته المحتملة. حتي لا تفاجئنا النتائج العكسية!