المساء
مؤمن الهباء
أسوأ من داعش
أصبح اسم "داعش" علامة مميزة للإرهاب الهمجي الذي يتجاوز في إجرامه كافة الأحكام الدينية والأعراف الإنسانية.. ولذلك اجتمعت البشرية كلها علي محاربته وهزيمته.. لكن "داعش" ليس الإرهاب الوحيد الذي يقتل الأبرياء ويهدم البيوت والعمران.. ويدمر الحضارات.. هناك إرهاب آخر متعدد الوجوه.. يفعل مثلما يفعل "داعش".. بل يفعل أسوأ من "داعش" دون أن يهتم أحد في العالم به.. ربما لأن الضحايا ليسوا ممن يسمع لهم صوت في هذا العالم العنصري.
أبرز مثال علي ذلك ما يلاقيه مسلمو الروهينجا في ميانمار "بورما سابقا" من قتل جماعي وحرق للأحياء وتهجير قسري واضطهاد ديني وعرقي.. يقتلهم الجيش هناك لمجرد أنهم مسلمون.. ويجبرهم علي العيش في معسكرات جماعية قذرة ومناطق إيواء لإذلالهم وهم عرايا وجياع.. يستوي في ذلك الرجال والنساء.. الأطفال والشيوخ.. المرضي والأصحاء.. إعلان المواطن عن هويته الإسلامية مبرر كاف لاحتقاره وإذلاله وقتله.. وقد صارت الدنيا كلها تعرف بمحنة هؤلاء المستضعفين لكن أحدا لم ينصرهم أو يدافع عنهم.. أو يدين هذا الإرهاب الخارج عن قيم ومبادئ الشرعية الدولية مثلما يحتشد العالم ضد "داعش".
والحديث عن الإرهاب الصهيوني ضد الشعب الفلسطيني ليس جديدا.. إسرائيل تفعل مع الشعب الفلسطيني أسوأ مما يفعل "داعش" لكن أحدا لا يجرؤ علي الكلام والفعل لأنها تحظي بحماية أمريكية كافية جدا.. تقتل الأطفال والنساء والشيوخ العزل.. وتصادر الممتلكات وتدمر البيوت والمزارع وتستولي عليها بدون وجه حق.. وتعتدي علي المساجد وتحولها إلي معابد يهودية.. ومع ذلك لا يستطيع أحد أن يقول فيها أو عنها شيئا مما يقال عن "داعش".
أحدث نموذج إرهابي من هذا النوع "الداعشي" قامت به قوات كردية في بعض المدن والقري العراقية التي تم تحريرها من "داعش".. هذه المدن والقري يسكنها مواطنون عرب.. لكن القوات الكردية قامت بتهجير هؤلاء السكان العرب بعد إشاعة الرعب والفزع في أوساطهم بقتل أبنائهم وتدمير منازلهم لإجبارهم علي الرحيل.. حتي يتسني تسكين مواطنين أكراد مكانهم.. ليصبح من السهل ضم هذه المدن والقري إلي إقليم كردستان العراق الذي يحظي بالحكم الذاتي في شمال العراق.. ليكون نواة الدولة الكردية المنتظرة.
قالت منظمة "هيومان رايتس ووتش" الحقوقية الدولية إن قوات الأمن الكردية دمرت بشكل غير قانوني منازل وقري عربية في شمال العراق خلال العامين الماضيين فيما قد يعد جريمة حرب.. هذه الانتهاكات التي وقعت فيما بين سبتمبر 2014 ومايو 2016 في 21 مدينة وقرية عربية في محافظتي كركوك ونينوي انتهجت نمطا من عمليات الهدم القاسية.. وتخضع هذه المناطق شكلا لسلطة الدولة المركزية في بغداد لكن تسيطر عليها حكومة إقليم كردستان.
ويشير تحليل لصور التقطتها الأقمار الصناعية إلي أن تدمير الممتلكات استهدفت السكان العرب بعد فترة طويلة من انتهاء أي ضرورة عسكرية للقيام بمثل هذه الأعمال.. وكان واضحا أن هناك خطة محكمة يجري تنفيذها للتطهير العرقي حتي ضم المدن والقري "العربية" إلي إقليم كردستان.
لقد عاني السكان العرب في تلك المنطقة الأمرين من إرهاب "داعش" الذين يسيطرون عليها لبضع سنوات.. وعندما تم دحر "داعش" وإجلاء مقاتليه بالقوة ظن الأهالي أن الغمة قد زالت لكنهم فوجئوا بإرهاب آخر من جانب قوات الأكراد "البشمرجة" بالضبط كما كانت تفعل العصابات الصهيونية في عرب فلسطين.. من حيث القسوة والفظاعة في ارتكاب الجرائم الجماعية.. والعالم الذي انتفض ضد "داعش" يلوذ الآن بالصمت المريب.
حظر داعش عليه إجماع عربي ودولي.. وسوف ينتهي إن عاجلا أو آجلا.. لكن الخطر الذي لن يزول بسهولة هو خطر تغيير الخريطة الديموجرافية للدول تمهيدا للتفكيك والانفصال.. ويبدو أن مرحلة ما بعد داعش سوف تشهد تصعيدا لهذا الخطر.. الذي سيكون بالتأكيد أسوأ من داعش.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف