الجمهورية
د. محمد مختار جمعة
إفشاء السلام قيمة لا شعار

إفشاء السلام ليس مجرد شعار إنما هو قيمة إنسانية راقية حرص ديننا الحنيف علي ترسيخها. فعن سيدنا عبدالله بن سلام "رضي الله عنه" يقول: لما قدم النبي "صلي الله عليه وسلم" المدينة جئته فنظرت إليه فعرفت أن وجهه ليس بوجه كذاب. فكان أول ما سمعت منه. ¢أفشوا السلام. وأطعموا الطعام. وصلوا الأرحام. وصلوا والناس نيام. تدخلوا الجنة بسلام¢ "جامع الترمذي".
ألا تري هنا إلي حديث من وصفه ربه "عز وجل" بأنه لا ينطق عن الهوي. وهو يجعل سبيل الدخول إلي جنته في أربع أمور. ثلاثة منها تتصل بالرقي في المعاملة مع الخلق. وهي: إطعام الطعام. وإفشاء السلام. وصلة الأرحام. وواحدة فيما بين العبد وربه وهي الصلاة بالليل والناس نيام. مع تقديم الثلاثة علي هذه الواحدة. وما ذاك إلا لحرص الإسلام علي العلاقات الإنسانية السوية. بل أبعد من هذا يحثنا ديننا علي إلقاء السلام علي من عرفنا ومن لم نعرف. ويجعل شعار السلام وإلقاءه علي الناس علامة الإيمان البارزة الساطعة. قال تعالي: ¢ولا تقولوا لمن ألقي إليكم السلام لست مؤمنا¢ "النساء: 94". وحث علي مبادلة التحية بأحسن منها أو ردها علي أقل تقدير حيث يقول الحق سبحانه: ¢وإذا حييتم بتحية فحيوا بأحسن منها أو ردوها إن الله كان علي كل شيء حسيبا¢ "النساء: 86".
وقد جعل الإسلام للسلام أسسا تندرج جميعها تحت مظلة الرقي الإنساني. بأن يسلم الصغير علي الكبير. والراكب علي الماشي "المترجل". والماشي علي الجالس. والواحد علي الجماعة. وقالوا: من حق الأخ علي أخيه أنه إذا لقيه أن يسلم عليه. وأن يفسح له في المجالس. بل حذر الإسلام تحذيرا كبيرا من الإعراض والتجاهل عن إلقاء السلام أو رده. فقال نبينا "صلي الله عليه وسلم" ¢لا يحل لرجل أن يهجر أخاه فوق ثلاث ليال. يلتقيان فيعرض هذا ويعرض هذا. وخيرهما الذي يبدأ بالسلام¢ "صحيح البخاري".
وقد سمي رب العزة نفسه في أسمائه العلا التسعة والتسعين السلام. فقال سبحانه: ¢هو الله الذي لا إله إلا هو الملك القدوس السلام المؤمن المهيمن العزيز الجبار المتكبر سبحان الله عما يشركون¢ "الحشر: 23". والجنة إنما هي دار السلام قال تعالي: ¢لهم دار السلام عند ربهم وهو وليهم بما كانوا يعملون¢ "الأنعام: 127". وتحية المؤمنين فيها السلام. يقول الحق سبحانه: ¢وتحيتهم فيها سلام وآخر دعواهم أن الحمد لله رب العالمين¢ "يونس: 10". وتحية المؤمنين عند لقاء ربهم السلام. يقول سبحانه: ¢تحيتهم يوم يلقونه سلام وأعد لهم أجرا كريما¢ "الأحزاب: 44". ¢والملائكة يدخلون عليهم من كل باب سلام عليكم بما صبرتم فنعم عقبي الدار¢ "الرعد: 24".
إذن فإفشاء السلام قيمة. ومنهج حياة. وسبيل نجاة. علي أن يكون سلاما حقيقيا لا شكليا. وأن يستحضر من يلقي السلام قيم السلام. وأن يكون الإنسان سلاما حتي مع الحيوان والجماد ومع الكون كله. فلا يقطع شجرا. ولا يحرق زرعا. ولا يخرب عامرا. ولا يهدم بنيانا. ولا يؤذي طائرا أو بهيمة أو إنسانا. بل يكون سلما وسلاما مع نفسه ومع الكون كله. حيث يقول الحق سبحانه: ¢يا أيها الذين آمنوا ادخلوا في السلم كافة ولا تتبعوا خطوات الشيطان إنه لكم عدو مبين¢ "التوبة: 208".
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف