المصرى اليوم
عبد الناصر سلامة
سجون الألفية الثالثة
العودة إلى عبارات ومصطلحات وشكاوى الستينيات من القرن الماضى، أو الألفية الماضية، أو الماضى عموماً، فيما يتعلق بالسجون والمعتقلات، هى نكسة وانتكاسة فى الوقت نفسه لأى تقدم حاصل فى أى من المجالات، فلا يعقل مع الألفية الثالثة أن نسمع عن شكاوى تتعلق بالتعذيب فى السجون، أو القتل فى أقسام الشرطة، أو حتى المعاملة غير الآدمية فى أيهما، لم يعد مقبولاً أبداً ذلك الحديث الذى كان ينُم فى السابق عن جهل كبير وديكتاتورية بشعة، لم تعد مقبولة تلك الممارسات التى هى فى حقيقتها نفسية، سيكوباتية، تؤكد مرض صاحبها، أو مرض النظام ككل، وهو ما كان يستدعى العلاج الفورى، على كل الأصعدة.
أعتقد أن الشكاوى التى ظهرت على الساحة أخيراً، والتى تتعلق بتعذيب هذا السجين أو ذاك بأحد السجون، كما وقائع قتل هذا المواطن أو ذاك بأحد أقسام الشرطة، إضافة إلى ما تواتر عن إطلاق الغاز على المساجين، رغم مقتل العشرات من قبل فى إجراء من هذا النوع داخل سيارة ترحيلات، إلى جانب منع الزيارة هنا أو هناك، أو عدم توفير العلاج للمرضى، إلى غير ذلك من ممارسات، كان يجب أن تجد آذاناً صاغية على كل المستويات السياسية والبرلمانية والحقوقية، كان يجب أن ينتفض لها المجتمع، ذلك أننا أمام عودة صريحة وواضحة إلى عصور الجهل والتخلف والفوضى.

هناك بعض الدول المتحضرة الآن فى طريقها إلى إلغاء السجون تماماً، لم يعد هناك جُناة، لم تعد هناك جريمة، هناك الكثير من الدول التى أصبحت السجون فيها ترقى إلى مستويات فندقية، هناك أيضاً من الدول من لا تسعفها إمكانياتها المادية إلى فعل ذلك، إلا أنها على الأقل تحترم آدمية مواطنيها الذين انزلقوا إلى هذا الجُرم أو ذاك عن غير قصد أحياناً، أو لفهم خاطئ، أو لأزمات مجتمعية، وأحياناً أخرى نتيجة ظلم وقع عليهم، فى كل الأحوال هم مواطنون، لهم حقوقهم التى كفلها الدستور والقانون.

لا أدرى بأى حق يتصور هذا الضابط أو ذلك المسؤول أن من حقه إهانة مواطن حتى لو كان سجيناً؟! قد يجد هذا الضابط أو المسؤول نفسه بين جدران السجن بين لحظة وأخرى لأى سبب، قد يكون بسبب تعذيب السجين، أو لأى سبب آخر، من الذى أعطاه الحق فى أن يفهم أنه أرفع درجة من السجين أو المحبوس احتياطياً؟ بيننا الآن من المسؤولين والسياسيين ورجال الأعمال الكثير والكثير ممن كانوا فى السجون، الرئيس الراحل أنور السادات، رحمه الله، كان أحد المساجين يوماً ما، رغم ذلك حكم مصر فيما بعد أحد عشر عاماً، كم من النماذج فى العالم على هذا المنوال، يتقدمهم الرئيس الجنوب أفريقى الراحل نيلسون مانديلا، الذى قضى فى السجن ٢٤ عاما.

هذه القضية، أيها السادة، يجب أن تحتل أولوية اهتماماتنا، يجب أن تنال اهتماماً إعلامياً أكبر، بضمير حى، يراعى المسؤولية الإنسانية والوطنية فى آن واحد، ذلك أن التستر على هذا النوع من الإجرام ليس فى مصلحة أحد أبداً، ليس فى مصلحة الوطن، كما لا يخدم الصالح العام، لا يعقل إذن الاعتماد على البيانات الرسمية فى هذا الشأن، على وسائل الإعلام تقصى الحقائق من خلال مندوبيها، لم يعد مقبولاً النقل من المحاضر الرسمية، كما حدث أخيراً مع ذلك المواطن البائع المتجول، ضحية قسم الأميرية، للأسف جاء فى معظم المواقع الإخبارية، كما الصحف الكبرى والصغرى ما نصه: (أثناء تحرير المحضر، سقط أحد المتهمين، «مجدى. م»، ٥١ سنة، وحاول ضباط القسم إسعافه، لكن لفظ أنفاسه الأخيرة)، ذلك هو النص الرسمى كما هو واضح، ثم يكتشف ذووه بعد ذلك آثار التعذيب والدماء على جسده، مطالبين بتحويله إلى الطب الشرعى!

القضية الأخرى، هى تلك المتعلقة بزيارة المساجين، بالمرور على أى سجن فى أى من الأيام سوف نرى هذا الكم الهائل من عدد سيارات الأجرة والميكروباص المتواجدة أمام السجن منذ ساعات الصباح الأولى، منها ما جاء من محافظات الوجه القبلى، أو الدلتا، أو غيرها، بما يشير إلى أن ذوى السجين قد خرجوا من محافظتهم إما فى اليوم السابق، أو قبل فجر اليوم، ناهيك عن تلك التكلفة المادية بصفة أسبوعية، لمجرد أن يرى الطفل أباه، أو ترى الزوجة زوجها، أو الأم ولدها، ثم بكل بساطة يكتشف هؤلاء قراراً مزاجياً، من أى نوع، بمنع الزيارة اليوم!، بالله عليكم أى إنسانية وأى عدل، وأى ستر من الله نسأل ونحن أمام ظلم آخر منقطع النظير؟!!

على أى حال، إذا كنا دائماً وأبداً نطالب بتشديد العقوبة على المجرمين، وإذا كنا دائماً وأبداً نطالب بتشديد العقوبة فى قضايا الإرهاب، فإننا فى الوقت نفسه نطالب بإعادة النظر فى تلك القوانين المتعلقة بسوء معاملة المواطن، فى أى موقع كان، فى قسم الشرطة، كما فى السجن، كما فى المعتقل، فى الحبس الاحتياطى، كما خلال التحقيق، كما بعد صدور قرار الإفراج، نطالب بإعادة النظر فى طريقة القبض على المتهم، وطريقة اقتحام البيوت وترويع أهلها، لم يعد مقبولاً التماس الأعذار لهؤلاء أو أولئك، أو حتى تمييزهم حال إدانتهم بحبس متميز فى معسكرات عملهم، ذلك أنهم لم يكونوا أقل إجراماً من غيرهم، وسوف نظل نؤكد أهمية مراجعة المناهج الشرطية، خلال سنوات الدراسة، وتعديلها بما يتوافق مع ذلك التطور العالمى فى هذا المجال، والذى يبدو أنه يقتصر لدينا على البذىء من الألفاظ، والقسوة فى التعامل، والسيكوباتية فى الإجراءات.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف