د/ شوقى علام
نحو مجتمع آمن مستقر صناعة الأمل وحسن العمل
يجنح بعض الناس فى وقت الأزمات والتحديات إلى الهروب من الواقع والتعلق بالأحلام والأمانى مع جَلْد الذات وتضخيم السلبيات والتلذذ بالحديث عنها؛ انتظارًا لحدوث خوارق العادات التى قد تقلب موازين الأحداث فى طرفة عين!
لكن هناك كثيرين ينظرون إلى الشدائد بعيون الأمل واستشراف المستقبل، ويواجهون أزمات الحياة بالشجاعة والإيجابية وليس باليأس والسلبية، انطلاقًا من السنة الكونية التى تقتضيها العناية الإلهية بالخلق رحمةً ولطفًا بهم، والتى تتجلى فى حصول الفرج دائمًا عقب نزول الأزمات وحلول البلايا أو ظهور بوادر ذلك، يقول الله تعالى: (فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا» [الشرح: 5- 6].
والسبيل الصحيح فى معالجة مستجدات المرحلة الراهنة التى تمر بها الأمة يكون بمتابعتها والتعايش معها وفق مزيد من الجدية والإيجابية والمبادرة بالسعى إلى إيجاد حلول لها ومواجهتها من خلال العمل والجد وبذل الأسباب واغتنام الفرص السانحة والمحافظة على مكتسبات الأمة والمشاركة فى مسيرة نهضتها وتقدمها دون اتكال على الغير.
إنها لمعانٍ راقية أرشد لها حديث غرس الفسيلة الذى يقول فيه النبى صلى الله عليه وسلم : «إن قامت على أحدكم القيامة وفى يده فسيلة – نخلة صغيرة – فليغرسها»، وهو توجيه بليغ يترك فى نفس المتلقى أثرًا حيًّا لضرورة أن يستمر البناء والعمران والحضارة فى هذا الكون إلى آخر أمده المحدود والمعدود والمعلوم بالنسبة للخالق سبحانه، والذى أخفاه عنا رحمة بنا، ولتستمر مسيرة العمل والعطاء .
كما أن حديث غرس الفسيلة يتضمن بيانًا عميقًا لمعنى عمارة الأرض وإصلاحها، وصيغة جامعة لسمات شخصية الإنسان التى ترسخ فيه عدم الاهتزاز عند حدوث المصائب، وتنفره من مظاهر اليأس والدخول فى زمرة المحبطين والمتشائمين عند نزول الشدائد، والذين طالما يستخدمون ألفاظ الضعفاء الآيسين، التى هى «لو ..وليت .. ولولا»، فعن أبى هريرة رضى الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «المؤمن القوى خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف، وفى كُلٍّ خير، احرص على ما ينفعك، واستعن بالله ولا تعجز، وإن أصابك شيء، فلا تقل لو أنى فعلت كان كذا وكذا، ولكن قل قدر الله وما شاء فعل، فإن لو تفتح عمل الشيطان».
فينبغى أن يكونَ الإنسان ذا همة عالية، فسيح الأمل، واسع الرجاء، مستشرفًا للمستقبل، عاملا منتجًا للحياة، يعطيها كما يأخذ منها، دون انتظار وركون كلى إلى تحصيل النتائج وقطف الثمار، حتى ولو بدت له الأمور فى ظاهرها فى شكل النهاية والانقطاع. ألم يسأل كل واحد منا نفسه: من المستفيد من غرس هذه الفسيلة وقد بات قيام القيامة محققًّا؟ وما الحكمة من ذلك رغم أنها لن تثمر إلا بعد مُضِيِّ عدد من السنين فى الغالب؟ إن الإجابة عن هذه الأسئلة تظهر أن الأمل قوة باعثة على العمل، وعامل مؤثر فى استنهاض النشاط والهمة فى الروح والجسد، واستدعاء مظاهر الاستبسال والكفاح نحو أداء الواجب، ودفع اليائس إلى الجِد، وتكرار المحاولة مرة بعد أخرى حتى يتحقق نجاحه وفلاحه.
ويضيف هذا الحديث بعدًا آخر حيث يلفتنا إلى ضرورة أن ترتبط فسحة الأمل والرجاء مع العمل؛ لأن الحياة متصلة الحلقات، والعمل فيها مستمر ومتواصل لا ينقطع أبدًا حتى تقوم الساعة، يقول الله تعالى: (وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ).
فما قيمة الإنسان اليائس الكسول فى هذه الحياة المطلوب فيها العمل والعزيمة والهمة، وتعميقًا لمسئولية الجميع فى الإصلاح والنهوض بالوطن وإنقاذ الأمة، ويكشف عن سمات وقاية المجتمع من آثام البطالة ومظاهر الفراغ وأسباب الفوضى والغفلة، ويسلك بالإنسان طريق الحياة الطيبة التى تمتلئ بالتفاؤل والأمل وبالنفع للبشرية وصلاح أمرها، يقول الله تعالى : (مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ)[النحل: 97].