المساء
أحمد عمر
الحرب النفسية
للحرب جبهتان واشكال متعددة للصراع.. حيث تعريف وحيد للمنتصر انه الذي يستطيع فرض ارادته.. جبهتا الحرب خارجية حيث خطوط التماس مع العدو.. وداخلية تطوق منابع خطوط الامداد والتموين ومراكز صنع القرار بحقوق المواطنين وتحركات الشارع وضغوط الرأي العام.. واذا كان الجنود والمدافع والدبابات هم مفردات الجبهة الخارجية فإن القلق والاستياء والتذمر واليأس واثارة الاضطراب داخل المجتمع والتحريض الطبقي هي عناصر الحرب علي الجبهة الداخلية من خلال ما يعرف بالحرب النفسية.
ترك الراحل صلاح نصر مدير المخابرات العامة كتابا من حزءين بعنوان "الحرب النفسية" يعد موسوعة في مجاله تنوعت ابوابه من عمليات غسيل المخ بداية من تجارب العالم الروسي بافلوف علي الكلاب.. وتطبيقها بعد الثورة البلشفية علي المسجونين والاسري.. حتي الشائعات التي افرد لها صلاح نصر اهتماما خاصا.. وتحدث عن انواع من الشائعات البيضاء والسوداء.. وعن سيكولوجية الاشاعة وكيف تصنع لتجعل الناس يميلون إلي تصديقها.
واستخدم الاتحاد الاشتراكي العربي في الستينيات سلاح الشائعات لحماية النظام وتوحيد الجبهة الداخلية.. سمعت من مطلعين علي ذلك العصر ان الشائعة كانت تخرج صباحا من الامانة المركزية بالقاهرة وتنقل عبر اشخاص إلي مواقف السيارات ومحطات السكة الحديد.. لتأتي التقارير في المساء من مختلف المحافظات تفيد انتشارها.. في مواجهة قيام العدو من خلال اذاعة عربية موجهة كانت تبث برنامج يومي بالعامية يقدمه عميل مخابراتي يدعي انه مصري وان اسمه "حمدان" الاذاعة الاسرائيلية تبث اغاني ام كلثوم وتنقل علي الهواء مباشرة شعائر صلاة الجمعة من المسجد الاقصي.. وتذيع ما تدعي انها الاسئلة في ليلة امتحان الثانوية العامة كما تدعي معرفتها بأحوال الضباط والجنود من خلال التقاط الاسماء وصلات الاهل والاقارب من متابعة صفحة الوفيات بالصحف المصرية.
وفي عام 2013 تابعت بنفسي شائعة تثير الفتنة الطائفية انتشرت ذات ليلة علي مواقع الانترنت.. حتي وصلت إلي مصدرها فوجدته موقعا تابعا لاولاد ابواسماعيل.
الآن لايبدو من قبيل الصدفة الا اذا كنا مفرطين في حسن النية إلي حد البلاهة انطلاق سلسلة يومية من الاخبار التي يتضح كذبها.. شائعات تلامس جزءا من الحقيقة وجانبا من الواقع حتي يسهل للناس تصديقها.. واجهنا ثلاث اكاذيب في يوم واحد اخطرها السرنجات.. وديون البترول ومن قبلها شائعات الطائرات الفاخرة وفواتير المساجد والتعيينات السرية وغيرها.
تشير الباحثة ياسمين الدجوي إلي نجاح الاعلام المصري في التمهيد لنصر اكتوبر المجيد والتصدي واحباط الحرب النفسية التي كان يشنها علينا الكيان الصهيوني.. تحذير صحيفة جيروساليم بوست الاسرائيلية في عام 1972 من حملة الاعلام المصري لتوعية الشارع من خلال الاستعانة بكوكبة وطنية من الصحفيين والادباء والفنانين ورجال الدين وانتاج سيل من الاغاني والروايات والبرامج الاذاعية والتليفزيونية كالمصيدة وكلاب الحراسة واللصان والجاسوس وغيرها.
ويكتب د.نبيل فاروق عن جوانب خفية في شخصية "ايان فليمنج" مؤلف روايات "جيمس بوند" الشهيرة.. يقول فاروق ان فليمنج الذي بدأ طالبا بالبحرية الملكية قبل التحاقه بالمخابرات البريطانية كان له دور خفي هام في الحرب العالمية الثانية حيث اسس اذاعة سرية كانت تبث برامجها من لندن باللهجة العامية الالمانية وكأن القائمين عليها من الالمان الوطنيين المخلصين.. حتي انها كانت تكيل السباب للقادة البريطانيين وعلي رأسهم رئيس وزرائهم التاريخي وينستون تشرشل واصفة اياه باليهودي البدين القذر.. ثم تنتقد القادة الالمان وتدس السم في العسل مروجة عنهم القصص الملفقة حول مظاهر الثراء والبذخ وتركهم الجنود والمواطنين للموت والفقر لتضرب الروح المعنوية وتبث الفرقة والانقسام وتحقق الهزيمة النفسية حتي انتهت الحرب باستسلام المانيا.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف