المصريون
د. حسام عقل
القيصر (نشوى الحوفي) تعلن:.. أنتم عبيد إحساناتنا !
باغتتني الدهشة _ بما يتجاوز كل الحدود _ بسبب ما ظهر في تصريحات الإعلامية ( نشوى الحوفي ) الأحدث , من العجرفة الشديدة و الاستعلاء ( شبه العنصري ) , تجاه شريحة كبيرة من الشعب المصري ! أعني التصريحات التي أدلت بها , على هامش ما أثير حول توجهات ( اللجنة الخماسية ) : لجنة العفو الرئاسي , فيما يتعلق بالإفراج المحتمل عن بعض المحتجزين في قضايا الرأي , و هي خطوة كان من المأمول _ وفق ما بدا في تصريحات بعض القيادات السياسية _ أن تكون بشيرا ً صحيحا ً بنزع فتيل الاحتقان و ترسيخ حالة من السلم الأهلي الغائب منذ مدة طويلة , و استعادة فضاءات المصالحة الوطنية مجددا ً و الانفراجات السياسية الجادة , التي تستهدف ( جمع الشمل ) بعد فترة زمنية ممتدة كالحة شهدت تمزقا ً سياسيا ً و اجتماعيا ً غير مسبوق في تاريخ الوطن المصري و الدولة المصرية ! و قد بدأت قصة ( اللجنة الخماسية ) , حين قررت السلطة _ في ختام مؤتمر شرم الشيخ _ تشكيل لجنة خماسية للنظر في إمكانية استصدار ( عفو رئاسي ) عن بعض سجناء الرأي و الشباب , و تألفت اللجنة _ التي سميت بلجنة العفو الرئاسي _ من : د أسامة الغزالي حرب , رئيس اللجنة و محمد عبد العزيز , و طارق الخولي , و كريم السقا , فضلا ً عن ( نشوى الحوفي ) . و كان واضحا ً أن تشكيل اللجنة , جاء بدافع الإحساس المهيمن لدى دوائر واسعة في السلطة , بضغط الأزمة السياسية الرهيبة على الجميع , و خطورة حالة الانسداد السياسي الكامل التي تعانيها مصر و هي الحالة التي تضغط بثقلها على الضمائر و تسبب حرجا ً حقوقيا ً و إنسانيا ً بالغا ً في الداخل و الخارج , و ترشح لمزيد من احتمالات الانفجار بسبب الكمد و الاحتقان الهائل المكبوت , الذي يمكن أن يعلن عن ذاته _ في أي وقت _ كعاصفة الخماسين المكتسحة التي لا يدري أحد لها موعدا ً ! كان لدى دوائر السلطة بالتأكيد دراية بهذا الاحتقان الدامي الشعبي الواسع , مع اطلاعها على التقارير الدورية التي توافيها بها الجهات المعنية و السيادية , أولا ً بأول , و التي _ لا شك _ حذرت من تعاظم مساحات الإحباط و الغضب , بعد تعويم العملة الوطنية و ارتفاع منحنى الأسعار للسلع و الخدمات بمتوالية عددية مخيفة , و صانعة لكابوس وطني ضخم لا يمكن أن يسمح لأحد بإغماض العين و النوم المطمئن لساعة ! لم تكن _ إذن _ مهمة اللجنة مهمة نمطية روتينية , كشأن اللجان المصرية الهزلية التي تتشكل _ بكثرة مستهترة عبر عقود ! _ تعبيرا ً عن الرغبة في الغطيط و النوم و تجاهل الأزمة , حتى أصبحت العبارة الشهير أقرب إلى النكتة أو الدعابة : ( ..شكل لجنة ! ..) بمعنى الدعوة إلى إماتة الشكوى أو الأزمة وتجاهلها تماما ً و تكفينها في تراب النسيان ! لم تكن لجنة العفو الرئاسي من هذا النمط الروتيني , و إنما كان مأمولا ً أن تكون متنفسا ً محتملا ً لحالة الاحتقان المميتة , و خطوة أولى في الرجوع إلى الوراء خطوة من الجميع تمهيدا ً لحديث المصالحة الوطنية و الانفراجات السياسية النوعية في تاريخ المرحلة , بمعنى أن تكون طوق نجاة من أزمة كبيرة مزلزلة للجميع . أو أن تكون عوامة إنقاذ لسلطة مضت في طريق وحيد قائم على الخيار الأمني وحده دون أي تنوع في الاستراتيجيات و الوجهة و مضمون الخيار السياسي , و أن تكون عوامة إنقاذ لشريحة كبيرة من الشباب الثوري الذي وجد نفسه في الضفة الأخرى المعاكسة لضفة السلطة في تناقض كامل بين الوجهتين و الطريقين و الخيارين , و هو الوضع الذي خلق مواجهة صفرية شاملة , ما زلنا ندفع ثمنها بفاتورة باهظة الكلفة هي _ بالقطع _ الأضخم في تاريخ مصر . و من أسف أن اللجنة التي تشكلت في قلب نيران الأزمة , لم تكن على وعي بهذا الظرف الخطير المهدد لقوام الدولة , و لم يفهم فرسانها الخمسة , أن السلطة _ أو على الأقل دوائر واسعة داخلها _ كانت ترغب في مد أطواق النجاة لإيجاد مخرج مشرف للجميع _ بعيدا ً عن أي إذلال أو مزيد من المهانة _ بعد أن دفع الجميع فاتورة مهينة خصوصا ً السلطة المصرية التي أصبحت ضيفا ً دائما ً مستهدفا ً بالشجب المؤلم المهين و الإدانة المريرة في معظم التقارير الحقوقية الدولية , فإذا باللجنة تصبح _ من خلال تصريحات ( نشوى الحوفي ) و مواقفها _ بنزينا ً يلقى على النيران و مدعاة لمزيد من الإحساس بالروح الطبقي العنصري و الرغبة الممعنة في تصدير رسائل الإذلال و المهانة ! و كأن أعضاءها لم يفهموا حرفا ً واحدا ً من دلالة السياق الذي وضعوا فيه ! بأي حس وطني أو إنساني تخرج ( نشوى الحوفي ) بهذه الرسالة الكيدية الممعنة في الإذلال لتقول : ( ..ببساطة و بهدوء و على بلاطة ..مافيش إخوان مافيش دومة و عبد الفتاح و ماهر ..) ! أي هدوء يا أ / ( نشوى ) ؟! و هل هذه الطريقة الكيدية الممعنة في التحدي الصبياني يمكن أن تخلق مناخا ً لتفريج الأزمات السياسية ؟! و ما ذا يمكن أن تكون المعايرة و التلاسنات و الغطرسة السياسية الموغلة في تصدير الإحساس بالهزيمة و التشفي الكيدي , إلا إذا كانت هذه التصريحات المتجردة من أي مسئولية أو إحساس بطبيعة الأزمة ؟! ثم بوغت الرأي العام بقرارات اللجنة بالتوصية بالإفراج عن ( فاطمة ناعوت ) ( التي لم تسجن أصلا ً ! ) و ( إسلام البحيري ) ( الذي بقي له على الإفراج الطيعي أسابيع ! ) و ( أحمد ناجي ) صاحب رواية : ( استخدام الحياة ) التي سرد فيها تفاصيل الاستمناء و العمليات الجنسية و صور الجماع ببلاغة سردية فائقة في التعري حتى من ورقة التوت ! أراد الرأي العام للوطن الخروج من الأزمة و لكن اللجنة أصرت بالدفع بالوطن إلى قرارة القاع و تقييدها تماما ً بشباك الأزمة ! و كان أسوأ ما في أداء اللجنة تصريحات الإعلامية ( نشوى الحوفي ) المخلوطة بنكهة الغطرسة و الاستعلاء , و المتجاهلة _ مثالا ً لا حصرا ً _ بمئات الشباب الذين تظاهروا من أجل مصرية ( تيران و صنافير ) , و هو ما أثبته القضاء المصري الذي أكد بدوره مصرية الجزيرتين ! ففيم احتجز الشباب إذن ؟! و ماذا صنعت الخماسية من أجلهم ؟! و لماذا تشكلت أصلا ً من ثم ؟! لم تكن صريحات ( نشوى الحوفي ) إلا نسخا ً كربونيا ً ممعنا ً في الغطرسة و العنصرية لتصريحات الخديوي ( توفيق ) قديما ً حين واجهته جموع ( عرابي ) : ( كل هذه الطلبات لا حق لكم فيها , ..و ما أنتم إلا عبيد إحساناتنا ! ..) و ما أشبه الليلة بالبارحة و ما أشبه منطق السيدة نشوى بمنطق الخديوي ! و للحديث بقية بل بقايا !

تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف