الأهرام
ابراهيم فتحى
ترامب.. أخطار وأمنيات
يذكِر نجاح دونالد ترامب فى انتخابات الرئاسة الأمريكية واستقبال العالم لهذه النتيجة بالثمانينيات من القرن الماضى حينما انتخِب رونالد ريجان ممثل الأدوار الثانوية فى هوليوود رئيسًأ للولايات المتحدة. وفى عالم تقلصت فيه الحدود الفاصلة بين المجال السياسى من ناحية وصناعة التسلية وثقافة المشاهير من ناحية أخرى لا يبدو من المستغرب أن يلجأ السياسيون إلى تقنيات صناعة المشاهير والترويج لهم وأن ينتقل المشاهير إلى عالم السياسة.

لكن ريجان كان يحظى بتأييد المؤسسة الرسمية وكانت له خبرة فى مجال السياسة يفتقدها البليونير ترامب نجم تليفزيون الواقع الذى هبط من برجه العالى فى مانهاتن فى حركات استعراضية ليعلن ترشحه للرئاسة ثم يشن حملة غير مسبوقة خرج فيها على كل الأعراف السائدة فى المؤسسات السياسية حتى رآه كثيرون داخل وخارج الولايات المتحدة يمثل خطرًا على السلام والديمقراطية. وبينما ساد العالم رد فعل يتراوح بين الدهشة والفزع رأى بعض المحللين أن تلك النتيجة لم تكن غير متوقعة تمامًا. فروبرت وود جونوسون زميل جامعة أكسفورد يرى أن انتخابات هذا العام كان من المتوقع أن تكون نتيجتها لصالح الحزب الجمهوري، فمنذ نهاية الحرب العالمية الثانية كان الحزب الفائز هو الذى يحوز الأغلبية النيابية فى منتصف الولاية الثانية لأى رئيس.

لقد حمل ترامب إلى المنصب على مد من الغضب الشعبى ولم تصوت أمريكا لتغيير حزب بمقدار تغيير نظام. فالأمريكيون العاديون لم يشاركوا فى حصد ثمار الرخاء فى بلادهم. وأدى فشل الحلم الأمريكى إلى تمرد شعبى أطاح بمسلمات السياسة الأمريكية المعتادة. فهناك الركود وثبات الأجور بينما تقلصت فرص الحراك الاجتماعي. وبينما ارتبطت زيادة الإنتاجية بزيادة مماثلة فى الأجور وصلت قمتها فى منتصف السبعينيات من القرن الماضي، ورغم زيادة الإنتاجية فى العقود التالية لم تزد الأجور بنسبة مماثلة فى عالم العولمة الذى انتقلت فيه المصانع إلى بلدان تنخفض فيها أجور العمال. ولذلك هاجم ترامب المهاجرين ونقل المشروعات للخارج. ولكن ذلك يغفل تغيرًا أساسيًا هو إضعاف الحركة النقابية فى أمريكا الذى أدى إلى انخفاض فى قوة الكسب تبلغ 30 بالمئة فى بعض التقديرات. لقد استغل ترامب الغضب الشعبى الكامن لجر الناخبين وراء شعارات تضع اللوم على المهاجرين لا الأغنياء الذين يستغلونهم ووعد باستعادة ماض يعتبره عظيمًا. لكن سياسات ترامب المعلنة ستؤدى إلى مزيد من الثروة للأغنياء الذين وعد بتخفيض الضرائب عليهم وإلى مزيد من الإفقار للطبقات الشعبية التى قد تحرم من مشروع أوباما للرعاية الصحية، فالسياسة الشعبوية فى النهاية تنهار تحت تناقضاتها الخاصة.

ويأمل المتفائلون فى أن يضع الحزب الجمهورى معاونين يحافظون على الإطار السياسى التقليدي، وفى أن يكون ترامب شبيهًا بريجان الذى تعرض للسخرية فى البداية ولكنه نجح فى توحيد المجتمع بينما تركت أكثر الحملات الانتخابية شراسة فى تاريخ أمريكا شعبًا منقسمًا، وللمرة الأولى تخرج المظاهرات الحاشدة رفضًا لنتائج الانتخابات. وخارج الولايات المتحدة يسود شعور لدى الحلفاء بأن انتصار ترامب قد دمر اتفاقًا جماعيًا وألا معاهدة تجارية ولا مؤسسة عالمية أو تحالف مقدس عنده. وينتظر الحلفاء فى ترقب أن يتضح مدى جدية تصريحاته التى تتخفف فيها أمريكا من المشاركة فى أعباء الدفاع المشترك. ومن الناحية الأخرى يرسل فوز ترامب رسالة مشجعة لليمين الشعبوى الصاعد فى أوروبا على خلفية أزمة اقتصادية ممتدة لا يبدو لها فى الأفق نهاية وشيكة.

وقد تلقفت الجبهة الوطنية اليمينية المعادية للأجانب فى فرنسا ونيجيل فاراج زعيم حزب استقلال المملكة المتحدة اليمينى الشعبوى فى بريطانيا خبر فوز ترامب بإعلان الفرح وتوقع المزيد من النجاح الانتخابي. وفى إسرائيل رحب نيتنياهو الذى تميزت علاقته بأوباما بالفتور، رغم كل الدعم الذى قدمته إدارة أوباما لإسرائيل، بفوز ترامب. ويسود الغموض مستقبل العلاقة مع إيران فى ضوء تصريحات ترامب بأنه لن يحترم الاتفاق الذى توصلت إليه إدارة أوباما. يبقى مستقبل الدور الأمريكى فى سوريا غامضًأ وإن ساد اعتقاد بأنه سيطلق العنان لروسيا لحسم الصراع الدموى الدائر هناك.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف