الأهرام
القمص أنجيلوس جرجس
إنها الحياة
يقول شكسبير على لسان أحد أبطال مسرحياته «إنما الحياة ظلال شاردة، ممثل تعس يظل يهذى ويصرخ على خشبة المسرح إلى أن ينتهى دوره فلا يعود أحد يسمع صوته. استغفر اللـه إنما الحياة أقصوصة يرويها أحمق، أقصوصة مليئة بالسعار والصراخ ولكنها لا تعنى شيئاً».

عزيزى القارئ ما هى الحياة؟ سؤال وجودى مهم يبادرنا كثيراً ولكن تختلف ردود أفعالنا حين نجيب عنها فمنا من يكون هذا السؤال مثل الشهب الذى يصيب العيون بصدمة ثم يخبو ويسير الشخص فى طريقه دون الالتفات إلى ما قد ظهر واحترق فى السماء. ومنا من يحمله هذا السؤال إلى العمق فيبحث عن المعنى وتتحول الحياة من مجرد أيام تمر إلى إنجازات وتحقيق لهدف يكتشفه ليحيا لأجله. وحقيقة الأمر فهناك الكثير يعيشون وهم لا يدرون معنى الحياة، ويقول المفكر الكبير «أيرك فروم»: «أنها الحقيقة المُرة المؤلمة لمعظم الناس إنهم يموتون قبل أن يولدوا حقيقة». وهذا حق حاول أن تتخيل نفسك وأنت تجلس أعلى مبنى فى أحد الشوارع وانظر إلى هؤلاء الذين يسيرون فى الحياة، من هؤلاء؟ ولماذا يعيشون؟، صراخ وشجار وسيارات تمر ومحال تجارية وشركات تجارية وكنائس وجوامع ومدارس وجامعات، ثم ماذا؟ ماذا بعد كل هذا؟ ترى هل يدرك كل واحد فى تلك الحياة لماذا يعيش؟ لماذا يتعب؟ لماذا يتشاجر مع رفيقه أو جاره؟ لماذا يخاصم ويكره؟ ولماذا يصارع؟ وكثير من المفكرين يتكلمون على الحياة كأنها عبث منهم «ألبير كامي» الذى قال: «هذه الحياة تستحق الانتحار ولكنى لا أفضل هذا». فوجود الهدف هو ما يجعل للحياة معني، هو ما يجعل لليوم قيمة، هو ما يجعلك تعرف نجاحك أو فشلك فى الحياة. يقول الكاتب «برناردشو»: «تلك هى فرصة الحياة الحقيقية الاستغراق فى هدف يُعرف لديك على أنه هائل، أن تكون قوة للطبيعة بدلاً من أن تكون كتلة من العلل والشكاوى والأنانية والتذمر المحموم على العالم الذى لم يكرس ذاته ليجعلك سعيدا».

نعم الكثير من يعيش وهو يجلس على الكرسى فى المقهى أو فى الشرفة وهو يلعن الظروف والمجتمع دون أن ينزل ليعمل ويحقق فى يومه شيئاً إيجابياً ومهما. الغريب أن الكثير يضيعون الأيام بلا معنى ولا هدف ويعيشون فى ملل وتعب وما إن يبادرهم مرض ويشعرون بأن الحياةستنتهى حتى يشعروا بالقلق على حياتهم ويذهبوا إلى الأطباء يبحثون على علاج حتى لا يبادرهم الموت، بينما الموت يسكن فى داخلهم لا يحققون شيئاً للحياة. إن نوعية الحياة أهم من عدد السنين، نعم هذه حقيقة مهمة فالشهيد الذى قدم حياته وهو شاب لأجل الوطن والواجب هو أعظم من آخر عاش مائة عام ولم يقدم شيئاً للحياة. فما تحيا لأجله هو ما يعطيك قيمة. ومشكلة الحياة فى الذاتية والأنانية، فى هؤلاء الذين يعيشون حياة استهلاكية يسعون فقط لقضاء اليوم فى استهلاك مادى وهدف الحياة عندهم هو اللذة فقط. ولا يدرون أن للحياة خالقا دبر كل شيء فى الكون حتى وجودنا الخاص. فلا يظن أحد أننا مجرد أعداد من البشر، فالإله الخالق الذى خلق أدق المخلوقات يعرف جيداً لماذا خلقها فهو لم يخلق شيئاً بلا معنى، وتكون القضية المهمة هى أن نكتشف لماذا خلقنا هذا الإله العظيم. وما هو دورنا فى الحياة.

وفى بردية لأنشودة لأجدادنا العظام الفراعنة محفوظة فى المتحف البريطانى تقول: «أيها الإله الواحد الأوحد أن قوانينك الأزلية مازالت تقود الأفلاك، أيها الروح القدوس مالى الكل استعلن ذاتك فيّ، كالنور وأنا أفكر، كالرحمة وأنا أعمل، كالصدق وأنا أتكلم». أن أجدادنا العظام صنعوا الحضارة لا لأنهم كانوا صناعا مهرة فقط ولكن لأن أرواحهم كانت نشطة وحياتهم كانت لها هدف، لأن كان لديهم إيمان قوى بأن الإله الخالق يراهم وهم يحققون إرادته. وهذه حقيقة هامة فالإيمان باللـه ليس فقط فى الصلوات والكنائس والجوامع، إنما الإيمان باللـه فى تحقيق هدف اللـه من حياتك فى كل شيء. يقول المفكر «إيمرسون»: «إن ميلادك فى هذا العالم لم يكن خطأ فأنت ضيف مدعو إلى مأدبة الحياة وليس من دعاك بالشحيح أن الكرم الإلهى يختفى فى مكان ما وراء سرالخلق». عزيزى القارئ إن الحياة فرصة لا تتكرر حين نفقدها ينتهى كل شيء فابحث عن المعنى وراء وجودك لا تظن أن هدف خلقة اللـه لك هى مجرد أن تأكل وتشرب وتنام، هناك هدف لك على مستوى خاص كى تعمل وكى تكون قيمة حقيقة للحياة، وليس عالة على الحياة. يقول الكاتب الألمانى «يتليكي»: «يمكننا أن نلعب دوراً خاطئاً فى الحياة... يمكننا أن نختار الهدف الخطأ وفى الدينونة الأخيرة سوف تجد على هامش حياتنا مكتوبا بالحبر الأحمر لقد أخطأت الهدف كله». عزيزى الحياة قصة أنا وأنت حروف فيها، أبدعها الخالق ونحققها فنصير أحياء حتى وإن رحلنا، أو لا نحققها فنصير أمواتا حتى وإن كنا لا نزال فيها.

تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف