سكينة فؤاد
عن الإعلام والانهيار الصحي.. والشباب.
قدم الإعلاميان القديران وائل الإبراشى وعمرو أديب نموذجا لما يحققه الإعلام الجاد والانسانى اذا تبنيا قضايا الناس وآلامهم وأوجاعهم.. وكشفا فى توقيت واحد تقريبا ما وصلت اليه الانهيارات الصحية والعلاجية وما يعانيه المرضى كبارا وصغارا فى المستشفيات والمراكز التابعة لوزارة الصحة والمستشفيات الجامعية ونقلت كاميرات البرنامجين ما يثير الرعب والفزع من الحجم الضخم لأعداد الأطفال المرضى الذين يتوافدون على مستشفيات ابو الريش والمنيرة بالقاهرة والشاطبى بالاسكندرية وعلى مراكز الغسيل الكلوى بأنحاء الجمهورية ونقص أدوية بالغة الخطورة وأجهزة الغسيل والمحاليل.. كأنه لا يكفيهم عذابات الألم واستغلال المرضى... وكعادة المصريين سارعوا بتلبية نداءات البرنامجين وقدموا الملايين وما يفوقها من تبرعات وهدايا عينية ورسوم هندسية ومعدات وتجهيزات، وقدم جهاز الاسكان والتعمير أرضا فضاء لبناء أبو الريش لأطفال الصعيد.
{ كل هذا جميل ورائع ويستوجب تحية للاعلاميين الكبيرين وكل إعلام جاد ولكن السؤال الذى ظل يلح على هل كانت تستمر هذه الاوضاع الكارثية لولا المبادرات التى قدمها البرنامجان؟ وماذا عن تصريحات مسئولين وعلى رأسهم وزير الصحة تتناقض تماما مع وقائع الأزمة وكما نقلت حية وعلى الهواء مباشرة ومن أفواه ومعاناة وعذابات المرضي؟!!
{ فى المساحات الواسعة بين تصريحات وزراء ومسئولين وحقيقة ما يواجهه ويعيشه المواطن من أزمات تحدث هوة واسعة تتهدد مصداقية التصريحات الرسمية!
{ أخطر ما كشف عنه البرنامجان غياب منظومة متكاملة للصحة والعلاج تتعاون وتتكامل فيها جميع المؤسسات المسئولة سواء ما يتبع الوزارة وما يتبع الجامعات والمؤسسات الخاصة للعلاج وما يتبع المجتمع المدنى والاهلى وأجهزة مستقلة وعلى أعلى مستويات الكفاءة والتخصص للمراجعة والرقابة وبما يحقق الافضل للجميع وعلى رأسهم المريض ويوفر الأطر الآمنة والعمل المؤسسى الذى يرصد الأزمات والاخطار المتوقعة وواقع أحوال المرض والمرضى واحتياجاتهم ومشكلاتهم بعيدا عن التصريحات الملونة البعيدة تماما عن وقائع الأحوال وقبل أن تنفجر فى وجه المرضى وفى أجسامهم واطفالهم وتتحول الى وجع وعار وطني!!
{ ما عرضه البرنامجان عن معاناة المرضى والأطفال يستحق أن يتحول الى بلاغ للنائب العام ضد فشل إدارة منظومة الصحة والعلاج فى مصر.
قضية أخرى تمنيت أن يتناولها البرنامجان... ماهى الاسباب الحقيقية لهذه الارقام المتزايدة من مرضانا بأخطر الأمراض،، الصغار والكبار.. وهل لدينا احصاءات دقيقة بها.. وماهى الاجراءات الجادة التى اتخذت للوقاية وتخفيض وعلاج ما يعيش تحته المصريون من مهددات.. وهل حقيقة أن نسب الأورام بين أطفالنا هى الاعلى دوليا.. وماهى الخطوات الفعلية التى اتخذتها الوزارات والاجهزة المسئولة وعلى رأسها وزارة البيئة لتحويل وطن بقيمة وحجم مصر الى بيئة حاضنة وحامية للحياة بعد أن تحولت الى طاردة ومدمرة لها.. فى نهايات القرن الماضى وبدايات هذا القرن فى اثناء حملة صحفية طويلة عن التلوث وعوامل الابادة التى يعيش تحتها المصريون نقلت ـ تصريحا بالغ الاهمية والخطورة لاستاذ الاورام ووزير الصحة الاسبق د.حسين خالد أكد لى أن ما يأكله المصريون من أغذية مهرمنة وملوثة ستتحول إلى قنابل تنفجر فى أجسامهم بأخطر الأمراض خلال السنوات القريبة المقبلة!! ونسب انتشار الامراض الخطيرة تؤكد صحة ما حذر منه العالم الكبير.
{ لا يقل أهمية عن توفير العلاج الآمن والسليم والمحترم والمجانى لكل مريض لا يستطيع أن يطير الى اكبر مستشفيات الدنيا للعلاج!! ووفق الدستور فيجب أن يكفل لجميع المرضى حقوقا عادله ومتكافئة فى العلاج ـ فتخفيف وتجفيف أسباب وعوامل هذه الارقام المتزايدة لا يقل أهمية ولا سبيل لتحقيقه إلا بقراءات علمية وأمينة عن حقيقة الواقع الصحى فى مصر وكل ما يحيط به من عوامل ومؤثرات وإصحاح وقوة وأمانة المنظومة التى تقوم على إدارته.
{ فى 25 مايو 2016 نشرت صحيفة الاهرام تقريرا مهما بعنوان «بعد أربع سنوات على مشروع خريطة السرطان فى مصر الوحش يلتهم أجساد المصريين». أول احصاء علمى للمرضى بدأ عام 1999 والأخير 2012 !!!! ولا تحتل المساحة المتاحة ابراء الحقائق الخطيرة التى وردت فى التقرير عن الارقام المتزايدة ونوعيات الأورام المنتشرة وما أكده عن المعروف عالميا، وأن تكلفة الوقاية تمثل عشر تكلفة العلاج مما يقلل من التبعات والآثار الانسانية والاقتصادية ـ وقد قدم البرنامج الرئاسى للقضاء على فيروس سى نموذجا محترما لمسئولية الدولة ـ ويحتاج هذا الجهد المشكور الدقة والمتابعة ليصل الى كل مصاب، أما مانجح فى تحقيقه الاعلاميان القديران من تكافل والتفاف مجتمعى من مؤسسات الدولة والقوى الأهلية والمدنية والأزهر فيجب ان يتحول الى عمل مؤسسى للواقع الصحى يضمن ان تكون رعاية المرضى وتوفير أفضل مستويات العلاج، خاصة للعلاج المجانى كحق أصيل للمواطن وتوافر شروط الجودة للمستشفيات والمراكز الخاصة، ونظم المتابعة والرقابة والمحاسبة، ورفع الكفاءة العلمية والحقوق المادية للأطباء خاصة الشباب منهم طقوس حياة ومواصفات أساسية لكفاءة إدارة المنظومة الصحية التى لا تنتظر أن تتفتح طاقات القدر للحصول على الحلول الواجبة وكشف وتغيير الواقع المؤلم للمرضى والعلاج والمعاناة كما فعل الإعلام.
{ لفتنى ما نشر أن موانى دبى السخنة تعيد تأهيل مستشفى (الصباح) وتهديه لأهالى السويس.. مع الشكر والتقدير لهم.. لماذا لا يقوم القادرون من أبناء كل محافظة بنفس المهمات والواجبات الإنسانية لتغيير الواقع الصحى وتخفيف المعاناة عن كل من يحتاج اليها؟!!
{ من أهم علامات التعافى الصحى فى مصر صدور أولى قوائم الافراج عن الشباب وأتمنى أن تتوالى عاجلا بقية القوائم ربما لا يبقى بريئ واحد رهن الاحتجاز وأن يتكامل الافراج بقوانين تضبط وتقنن الحبس الاحتياطى وتعدل قانون التظاهر وتحمى حقوق ممارسة الحريات المسئولة.... ويتبقى سؤال مهم ماذا لو لم تتم اثارة قضية حبس الشباب فى المؤتمر الوطنى الأول لهم.. أو لم يقدم المجلس القومى لحقوق الانسان أربع قوائم للإفراج من قبل...؟!! مَن من مصلحته إشعال الغضب الشعبى وتعطيل الإجراءات التى تطفئه وتعالج وتطمئنه فى جميع المجالات...؟!!