أحدثك عن بعض قياديي وزارة الثقافة..
تصور المسئول أنه قد امتلك الجزرة بمنصبه الذي يتعامل من خلاله مع المثقفين فلا بأس أو من الضروري أن يمتلك العصا ايضا!.
إنه يوزع المحاضرات. والمشاركة في المؤتمرات ويشكل الندوات ويهب منح السفر إلي الخارج.. محور ذلك كله بالطبع هم المثقفون.. وعلي المثقفين لكي يتاح لهم بعض ما يمتلكه السيد المسئول أن يظهروا الود والاحترام. ويتحملوا الشخط والنطر.. أو يقبلوا بالحياة في الظل!.
مأساة أقسي ما فيها أن المسذول عنها شخص محسوب علي المثقفين فلم يتم اختياره في منصبه إلا لأنه منهم لكنه ينسي الانتماء منذ تولي المسئولية ولا يشغله إلا أن يكون متعالياً ومسيطراً وعنيفاً وحريصاً علي وضع الحواجز بينه وبين من يتصور أنهم في حاجة إلي منحة وهباته إنه فوق وهم تحت ومن يتطلع إلي فوق عليه أن يتحمل وجع رقبته!..
لعلي زشير في المقابل إلي شخصية مثل الأديب الكبير والناشر الراحل سعيد السحار كنت تستطيع ويستطيع أي مثقف أن يزوره ذات صباح في مكتبه فقد كان يصل في الثامنة والنصف تماماً. وينصرف في حوالي الثانية ظهراً. لا تمر علي سعاة ولا سكرتارية ولا محاضر تجيب فيها عن اسئلة ولاحظات من نوع: الاسم والعنوان ورقم البطاقة وما الهدف من الزيارة؟ والدكتو مشغول وفوت وقت تاني وانتظر ربما يستقبلك فقط لا تزد علي خمس دقائق إلخ أنت تصعد الدرجات القليلة إلي حجرته في الطابق الأول لا مجال للاستئذان كما قلت لك لأن الباب مفتوح والرجل ذي التسعين عاماً والذي ينتسب إلي الدفعات الأولي في الجامعة المصرية وألف وترجم وتدين له أجيال من المبدعين يجلس بمفرده ليس ثمة حجاب من أي نوع تدخل وتجلس وتعرض أصول كتابك أو تتسلم البروفات وربما قام الرجل من وراء مكتبه ليسأل عن خطوات طباعة كتابك: استرح فسأعرف بنفسي ماذا تم لا تنهض من كرسيك وتستأذن عقب تسليم الأصول أو تسلمها فأنت ذلك ما يحدث عند الزيارة الأولي صديق للرجل تحدثه في أمور شخصية وعامة ويلجأ هو إلي رصيد هائل من الذكريات بانوراما متسعة الأبعاد للحياة المصرية في توالي عقودها منذ بداية القرن.
الثقافة سلوك وهي تختلف بالتأكيد عن مجود التحصيل المعرفي ربما يأتي الفعل المثقف من شخص محدود المعرفة وربما العكس يصدر عن شخص اتيحت له المعرفة إلي أعلي مستوياتها. ويفرض السؤال نفسه في إلحاح: المثقف الذي يميل إلي العلاقات الإنسانية وغير المتعالية والتي ترفض المظهرية المتكلفة.. كيف يتاح له التعامل مع قيادات تري المسئولية في نقيض ذلك كله؟.