تعويم الجنيه هو الدواء المر الذي كان ضروريا لانقاذ الاقتصاد ولكن كان ضروريا قبل اصدار هذا القرار الصعب اتخاذ مجموعة من الاجراءات الوقائية لحماية الناس من الآثار السلبية لهذا القرار ومنها مثلا ما يحدث الآن في قطاع الدواء.
تقوم الدولة ـ أي دولة ـ بتكوين احتياطي استراتيجي من السلع الضرورية لمدة 3 شهور علي أقل تقدير.. وأظن أن حكومتنا الرشيدة تفعل ذلك مع القمح والأرز والسكر ولكنها نسبت ان هناك سلعة اساسية تعتبر امنا قوميا وهي الدواء.
قبل تعويم الجنيه بثلاثة أشهر قررت الحكومة تحريك اسعار الادوية التي ظلت ثابتة علي مدي 30 عاماً وقالت ان التحريك في حدود 5%.. صحيح ان أسعار الادوية زادت فعليا بنسبة 10% لكنها علي الاقل ظلت متوفرة.
الآن بعد تعويم الجنيه ارتفع سعر الدولار الي الضعف تقريبا ومع ذلك ظلت اسعار الادوية ثابتة ولذلك اختارت معظم شركات الادوية ان تتوقف عن الاستيراد لانها لا تستطيع تحمل خسائر بنسبة 70% علي الاقل.
لم يحدث أن الدولة قررت وقف استيراد الأدوية لكن الشركات هي التي توقفت مضطرة عن الاستيراد خوفا من الخسائر.. ولذلك كان متوقعا ومعروفا لكل الجهات بما فيها وزارة الصحة التي لم تتخذ أي اجراء لمنع الازمة التي تتفاقم مع الايام وتهدد حياة الآلاف وربما الملايين وخصوصا مرضي الفشل الكلوي والسرطان واصحاب الأمراض المزمنة مثل السكر والضغط.
الان تقوم الحكومة باتخاذ اجراءات عاجلة لسد النقص في الأدوية لكن كل ما تفعله الحكومة لن يكون الا حلا مؤقتا يؤجل انفجار القنبلة ولكنه لا يقضي علي المشكلة الاساسية.
وبدلا من اختراع العجلة دعونا نعرف تجارب الدول الاخري التي سبقتنا في تحرير سعر صرف العملة المحلية العلاج الفعلي والناجح لهذه القضية هو توفير التأمين الصحي لكل طبقات الشعب واطلاق حرية تسعير الدواء للعرض والطلب.
اعرف أن كثيرين سيعترضون علي هذا الرأي ولكن اذا كان الدواء سلعة استراتيجية فان الدولة امام خيارين إما أن تدعم سعر الأدوية وهي لن تستطيع أن تفعل ذلك ـ في اعتقادي ـ أو الخيار ـ الآخر أن تبدأ في توفير التأمين الصحي لكل طبقات الشعب.
وإلي أن تكون الحكومة قادرة علي اتخاذ قرار في هذه القضية فمن المتوقع أن تستمر ازمة الأدوية في التصاعد لتزداد معاناة الناس من القرارات المتسرعة وغير المدروسة