المساء
مؤمن الهباء
سيناء.. الجرح والأمل
مرة أخري يذكرنا عيد تحرير سيناء بأحد أخطائنا الوطنية الجسيمة.. خطأ اهمال وتجاهل هذا الجزء الغالي من الوطن وتركه فقيراً ضعيفاً قاحلاً.. يغري العدو الإرهابي بأن يتخذ منه مخبأ وملاذاً.. ويغري العدو الصهيوني بأن يعتدي عليه ويحتله عند أول نقطة للخلاف.. وجدير بنا اليوم ونحن نحتفل بعيد تحرير سيناء أن نعض أصابع الندم علي فشلنا وغفلتنا.. فربما زادنا ذلك حماساً.. ونبهنا إلي ضرورة العمل بجد ونشاط لتحويل أغانينا الوطنية إلي خطط ومشروعات تنفذ علي أرض الواقع.
كانت سيناء ولاتزال تمثل الحلم الكبير لأولئك الذين يتطلعون إلي مستقبل أفضل في هذا البلد.. فهي الأرض البكر التي يمكنها بشيء يسير من الجهد ومن المال أن تستصلح وتستزرع وتنتج الخير الوفير لأهلها ولأهل مصر جميعاً.. وهي المساحة الشاسعة التي يمكنها أن تستوعب العديد من المشروعات والصناعات.. وتستوعب ملايين البشر من الذين ضاق بهم الوادي والدلتا.. فتساهم بذلك في حل مشكلة التكدس السكاني.. وفي حل مشكلة العشوائيات من خلال إعادة توزيع السكان علي المناطق الآهلة.
ورغم الحديث المتكرر في المناسبات الوطنية عن أهمية تعمير سيناء إلا أن هذه البقعة الغالية من أرضنا مازالت تعاني من عزوف المواطنين عن العيش فيها.. ومازالت هناك مشكلات عديدة تعترض سبيل التنمية علي أرضها.. في مقدمتها بالطبع موجة الإرهاب التي تفشت والتي لا شك سوف تندحر قريباً.. ثم مشكلة عدم توافر الخدمات ووسائل النقل وفرص العمل وعدم تقديم حوافز كافية للقطاع الخاص لدفعه إلي الاستثمار في المشروعات الصناعية والإنتاجية كثيفة العمالة.
وهناك تقارير عديدة تناولت عملية التنمية في سيناء.. وكلها تؤكد أن الاستثمار في المحافظة العريقة يمر بأزمة حقيقية.. وأنه خلال 20 عاماً مضت منذ أن عادت سيناء كاملة لنا لم ينفذ علي أرض الواقع فيها سوي 30% فقط من المستهدف.. وهذا مؤشر خطير ينبغي أن يحرك الجهات المسئولة المنوط بها التخطيط والمتابعة.. ومما يؤسف له أن تكون هذه النسبة المذكورة منحصرة فقط في المشروعات السياحية والفيلات والقصور وأماكن الترفيه.. وهي تنمية طفيلية لا تمس حياة القاعدة العريضة من الشعب.
لقد صاحبت عودة سيناء في 25 أبريل 1982 وعود وأمنيات هائلة بأنها ستكون مشروع مصر القومي.. مشروع المستقبل العظيم.. لكن الأعوام مرت دون أن تأخذ سيناء حقها.. ويكاد الحلم يتبدد من بين أيدينا بعد أن تحولت سيناء إلي جرح وطني كبير ينزف كل يوم.. وسيستنزف الكثير والكثير من مقدراتنا.. وسوف نخسر المستقبل كله إذا استسلمنا للإحباط والركود.. ولم ننطلق بسرعة إلي الأمل الكبير الذي ينتظرنا هناك.
أمامنا مشروع زراعي كبير علي ترعة السلام.. ومشروع توطين 5.4 مليون مواطن.. ومشروع خط السكة الحديد.. والمنطقة الصناعية في شمال سيناء.. وشبكة المشروعات الزراعية والصناعية والسياحية في جنوب سيناء.. هذه المشروعات هي في الواقع ميعار النجاح لحماية الأمن القومي المصري من بوابته الشرقية.. وهي الكفيلة بأن تحول سيناء من نقطة ضعف في جسد الوطن إلي أن تكون ثغراً حصيناً يدافع عنه.
إن تعمير سيناء أولاً.. وقبل أية مشروعات قومية أخري وزرعها بالبشر.. هو الرد العملي الوحيد علي كل من تسول له نفسه أن يعتدي عليها.. فسيناء مصرية ولن يعيش عليها إلا المصريون.. ولن يعمرها إلا المصريون.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف