عباس الطرابيلى
فلوس الخصخصة.. ومليارات الصندوق
أضع يدى على قلبى كثيرًا، هذه الأيام.. والمناسبة: قرض صندوق النقد الدولى أى مبلغ 12 مليار دولار، ونصف المليار.
وسبب خشيتى - هذه - أن يحدث لقرض الصندوق ما حدث لعائد برنامج الخصخصة، الذى بعنا فيه - أفضل ما كان عندنا - بملايين قليلة.. ولكننا أضعناها بكل سهولة عندما استخدمناها فى محاولة علاج عجز الموازنة العامة.. أكثر مما عانينا منه بسبب بيعها برخص التراب.
<< أيضا خشيتى من أن تلحق مليارات صندوق النقد، كما حدث لمليارات أكثر منها أسعفنا بها الأشقاء الأكثر قربًا لنا: دولة الإمارات، السعودية، الكويت.. قدموها لمصر - وهى تتصدى لأخطر مؤامرة تعرضت لها مصر منذ الحروب الصليبية.. ودخلت هذه المليارات ومصر ترقد فى العناية المركزة، قدموها حتى تقف مصر على أقدامها.. وتنطلق، بعد أن تخرج من غرفة الإنعاش هذه.. ولكن معظم هذه المليارات الشقيقة ذهب إلى نفس البلاعة: مواجهة عجز الموازنة العامة!!
<< وأقسم، وأكاد أجزم.. إننا لو وضعنا مال قارون فى هذه البلاعة، فسوف تغرق فى بلاعة هذا العجز. لأنها بلا قرار وليس ذلك مبالغة.. ولكن لأن حجم إنفاقنا الاستهلاكى شديد السفه.. أكبر من أى رصيد نضعه فيها بسبب لا تنكره أى حكومة.. هو أننا ننفق أكثر مما ننتج، والكارثة أن هذا الانفاق مستمر.. ولم تبذل الحكومة أى محاولات جادة، بحثا عما يقلل الفجوة بين الدخل.. وبين الإنفاق.
ويا ليت حكومتنا تفكر قبل أن تلقى بمليارات صندوق النقد فى بلاعة العجز وأن تتذكر أن عليها أن تدبر فوائد هذا الدين حتى وإن كانت صغيرة.. ثم تتذكر - أيضًا - أن عليها سداد هذه المليارات.. حتى وإن طالت فترة السماح.
<< وأقصد تمامًا أن ننفق هذه المليارات فى مشروعات منتجة.. تدر عائدًا ليس بعيد المدى.. نسدد به أصل القرض وفوائده.. يعنى أن يعطينا هذا المشروع وغيره ما يكفى لنعيش - ولو على الكفاف - ودون أن نضيف أعباءً إضافية ترهق أجيالنا المقبلة.. وكفى تصاعد حجم الدين الداخلى.
وقد ترى الدولة أن بعض هذه المليارات كما حدث لسابقتها - تتجه إلى تنفيذ مشروعات مهمة وضرورية للبنية الأساسية.. وليس شرطًا أن تكون هذه البنية فى شكل الطرق والكبارى ومياه الشرب والكهرباء حتى وإن كان بعضها يعطينا عائدًا قليلاً.. ولكنها على المدى البعيد سوف تعطينا.
<< أعرف ذلك كله.. ولكن علينا أن نوزع الأعباء الحالية والمستقبلية، فلا ننقذ الجيل الحالى - رغم كل معاناته - على حساب العديد من الأجيال المقبلة.. فقد عانى الجيل الحالى أخطاء وسياسات خاطئة امتدت لعشرات السنين - ولكن لا تجعلوا الأجيال المقبلة تلعنا إلى الأبد.. من كثرة أخطائنا التى وضعناها على أكتافهم ويا سلام لو تم استغلال هذه المليارات وغيرها فى أفكار ومشروعات خلاقة.. ولأن مشاكلنا غير تقليدية.. فنحن نحتاج إلى مشروعات غير تقليدية.
<< تلك هى مبادئ علم الاقتصاد، مهما اختلفت مدارسها.. وإذا كنا نحتاج بشدة إلى هذه الأفكار.. فنحن نحتاج أكثر إلى مشروعات تعطينا وبسرعة.. وليست عطاياها.. بعد عشرات السنين.. وبالذات فيما توفره لنا مما نأكل ونشرب ونلبس.. ونتسلى.. بشرط ألا نسرف فى هذه التسالى حتى ولو كانت.. فى مواسم دينية محببة إلينا!!