المصرى اليوم
عباس الطرابيلى
جريمة.. إحراق الغاز!
العلم يتطور.. ليس هناك جدال فى ذلك. زمان، وحتى منتصف سبعينيات القرن الماضى، كان إحراق الغاز - ولو فى الهواء - هو وسيلة التخلص منه!! وكانت الشركات والدول الباحثة عن البترول تندب حظها إذا خرج من البئر هذا الغاز وليس زيت البترول. والغاز نوعان، نوع يخرج مصاحباً لزيت البترول.. أو يخرج الغاز وحده من فوهة البئر.. هنا كانت الشركة إما تحرق هذا الغاز فى الهواء.. دون أن تستفيد منه.. أو تعيد حقنه داخل البئر ليرتفع الضغط فيها فيزداد تدفق زيت البترول، وكان هذا أفضل من حقن البئر - إذا انخفض فيها الضغط - بمياه البحر، إذا كان الحقل بحرياً.

ولكن بعد فترة، وبعد أن زاد معدل التلوث البترولى واكتشاف مزايا هذا الغاز بنوعيه، عرف العالم قيمة هذا الغاز، بل تأكدنا أنه الأفضل حماية للبيئة. وهكذا صار هذا الغاز هو الأفضل عالمياً، كمصدر للطاقة.. وصار الغاز أكثر طلباً من العلماء ومحبى البيئة النظيفة، بل وأصبحت الدول التى تملكه - ولو فى باطن الأرض - أكثر غنى وثروة ممن تملك زيت البترول.. وهكذا عرفنا عصر الصناعات البتروكيماوية، التى هى الأفضل فى عالم الطاقة.. ووجدنا خط غاز سيبيريا صاحب خير على روسيا.. وكذلك خط غاز ألاسكا. وهما أشهر خطين للغاز حالياً. وعرفنا أن سر قوة دويلة قطر يكمن فى هذا الغاز، لأنها تمتلك واحداً من أكبر حقول الغاز فى العالم كله.. وربما لهذا السبب دخلت قطر طرفاً فى الصراع الدائر الآن فى سوريا، لأن قطر كانت ومازالت تحلم بمد خط ينقل الغاز من أراضيها على الخليج العربى إلى شرق البحر المتوسط.. لينافس بذلك الغاز الروسى فى تموين دول شرق ووسط أوروبا.. وربما يمتد حتى غرب أوروبا، ليضرب الغاز الروسى هناك.. عرفتم سر لعبة ما يجرى الآن فى سوريا!!

وبما أننا دولة أعطانا الله منحة سماوية غالية، هى حقل ظهر، فى المياه الاقتصادية المصرية. فهل نستهلك هذا الغاز لتوليد الكهرباء.. أم نستخدمه كمصدر لصناعات تزيد على الألف منتج، تبدأ من نوع الجيل الذى يعشقه شباب هذه الأيام، إلى كل ملابسه.. وحتى الحذاء أو الشبشب. وحتى - أيضاً - الروائح الطيبة والكولونيا.. والسجاد والموكيت الذى نمشى عليه.. وكذلك الخشب الصناعى الذى نستخدمه بدلاً من الباركيه أو الخشب السويد للأرضيات. ولكل مواد الديكور.

وهذا كله يجرنا إلى أخطاء تصديرنا للمواد الخام دون أن نتولى تصنيعها عندنا، بل والأخطر نقوم بإحراقها وتحويلها إلى مصدر للطاقة!! والغاز فى مقدمتها.. وإذا قبلنا - ومؤقتاً - استخدام الغاز لتشغيل محطات توليد الكهرباء، فإن ذلك يجب أن يكون مؤقتاً إلى أن نقلل من استخدام الغاز فى هذه المحطات، هو ومصادر الطاقة البترولية الأخرى، من مازوت وديزل وسولار وكيروسين، ليس تخفيضاً لإنتاج الكهرباء.. ولكن بإنتاج الكهرباء باستخدامات أخرى، وفى مقدمتها الكهرباء المائية. ومن الشمس. والرياح.. وغيرها، لأننا يجب أن نعرف أننا نستخدم «كل الغاز المصرى» فى إنتاج الكهرباء الغازية.

وإذا كانت مصر تمضى قدماً فى إنتاج الكهرباء المائية.. وفى نفس الوقت سوف توقع، وقبل نهاية العام الحالى، عقد إنشاء المحطات النووية فى الضبعة على الساحل الشمالى الغربى.. وكذلك إنتاج الكهرباء من الطاقة الشمسية وغيرها. فإن هذا كله يجب أن نسرع فيه.. وأن نتوقف عن الكلام.. وننطلق إلى العمل الجدى.. وأن نتعظ من غيرنا.. وأن نتعلم كيف نعمل أكثر من كيف نتكلم.. نقول ذلك لأن مصر من أوائل الدول التى فكرت كثيراً فى إنتاج الكهرباء المائية وبكميات عالية.. ولا نقول هنا: تعلموا من إثيوبيا التى تحدت مصر وانطلقت فى تنفيذها لسد النهضة ليوفر لها ما تحتاجه من كهرباء.. بل وتحلم أن تصدر الفائض منها إلينا.. إلى مصر!!

■ ■ ولمن لا يتذكر أقول إننا كنا فى مقدمة الدول التى فكرت فى استغلال اندفاع وتدفق مياه النيل، فى توليد الكهرباء.. وكانت البداية بمجرد أن انتهت مصر من التعلية الأولى لخزان أسوان عام 1912.. ثم زاد هذا الكلام عقب التعلية الثانية عام 1933.. وظللنا نتحدث.. فقط نتحدث.. ولم ير هذا المشروع النور إلا فى النصف الثانى من خمسينيات القرن الماضى.

■ ■ وقد لا يعرف أحد أننا عرفنا استخدام طاقة الرياح فى طحن الغلال وكل الحبوب فى طواحين الهواء.. وحتى قبل أن يغزو بونابرت مصر عام 1798، ثم توسعنا فيها.. تماماً كما استخدمنا الفرق بين منسوب المياه قبل وبعد أى سد.. لإدارة السواقى وطواحين المياه، وعودوا إلى إقليم الفيوم لتجدوا كل ذلك.

■ ■ وحتى مشروع وادى الريان - فى صحراء الفيوم - منذ قرن من الزمان، رغم أنه كان مخصصاً للتخلص من مياه الصرف الصحى.. إلا أننا فكرنا فى استخدامه لتوليد الكهرباء المائية.

ما هى يا ترى هذه المشروعات.. وهل نجحنا فى تحقيقها.. وهل نحققها أم نتعثر ونظل نحرق الغاز لنحصل على الكهرباء وفى أيدينا ما يجعلنا نكتفى بالكهرباء المائية والشمسية، وحتى قبل الطاقة النووية، لنظل نرتكب جريمة إحراق الغاز.. لنحصل على الكهرباء؟!!
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف