المصرى اليوم
عبد الناصر سلامة
.. ولا عـزاء لأحـد
منذ أن استضافت سلالم نقابة الصحفيين تلك الاحتجاجات الشعبية، المتعلقة بالتنازل عن جزيرتى تيران وصنافير، أصبح التحرش بالنقابة ونقيبها أمراً واضحاً، ليس ذلك فقط، بل أخذ شكلاً علنياً فجاً، لأول مرة فى تاريخ تلك المهنة، التى أصبحت من الماضى، بحكم عوامل عديدة، بدأت بذلك التطور التكنولوجى فى وسائل التواصل الاجتماعى والمواقع الإلكترونية، تراجعت معه الصحافة الورقية، مروراً بذلك الأداء المهنى المتردى، الذى لم يساير ذلك التطور السياسى والحقوقى والحضارى الحاصل فى العالم بصفة عامة، وانتهاءً بذلك الدور الإمّعى الفاضح، الذى يؤديه البعض ممن يطلقون على أنفسهم شيوخ المهنة، وهو ما أساء للماضى والحاضر والمستقبل على السواء.

المخطط الآن بإيجاز، هو إبعاد النقيب الحالى، الزميل يحيى قلاش عن ذلك المنصب فى الدورة المقبلة، وهو الأمر الذى كان يجب أن تفطن له الجماعة الصحفية مبكراً قبل الدخول فى سجالات الخلاف حول تقييم هذا الموقف أو ذاك، ذلك أننا الآن أمام نقيب أراه مستقل الرأى والشخصية، على الأقل مقارنة بكل من يطرحون أنفسهم كبدلاء، كما أن الوضع الراهن لا يسمح بأى خلافات من أى نوع.

نقابة الصحفيين، أيها السادة، مجرد جزء من المنظومة المصرية الكبرى، من المستحيل أن تكون كاملة الأوصاف، فى ظل ذلك الاهتراء الحاصل الآن، سياسياً، واقتصادياً، واجتماعياً، ونقابياً، وتعليمياً، وصحياً، وغذائياً، ومالياً، وأخلاقياً، إلى غير ذلك من كل أركان المجتمع، وهو ما يجعلنا نلتمس العذر حين وجود أى إخفاقات من أى نوع، ذلك أنها جزء من المجتمع، لا أكثر ولا أقل، بما يجعل أى مزايدات على الأداء النقابى ليست ذات معنى، خاصة فى هذه المرحلة.

ما أود الانتباه له مبكراً هو أن المساومات حول بدل التكنولوجيا، الذى يتقاضاه الصحفيون، والذى يزيد قليلاً على ١٠٠٠ جنيه شهرياً، قد بدأت مبكراً هى الأخرى، وسوف تأخذ أبعاداً جديدة، خلال الفترة القليلة المقبلة، تارة بالتلويح بالمنع، إذا لم تمتثل الجماعة الصحفية للتوجيهات، وتارة أخرى بالزيادة، إن رضخت الجماعة للمرشح الرسمى وللتعليمات التى سوف يأتى بها، فلم يعد النظام الرسمى يكتفى بذلك الإذعان الحاصل فى المؤسسات الصحفية، وتلك السياسات التحريرية التى تعيدنا إلى أزمنة سحيقة مع الاتحاد الاشتراكى، والاتحاد القومى، ومنظمة الشباب، وغيرها مما عفا عليه الزمن، خاصة أن هناك من يطرحون أنفسهم ليل نهار للقيام بتلك المهام التى يرفضها النقيب الحالى ومجلس نقابته.

بعد عضوية أكثر من ٣٠ عاما فى هذه النقابة، أيها السادة، أستطيع القول إن الضغوط على الصحفيين مادياً تؤتى أُكلها فى معظم الأحوال، نتيجة ما تعانيه الأغلبية على المستوى الاجتماعى، بسبب تلك الرواتب المخزية، التى لم تكن تتناسب مع الأوضاع السائدة فى يوم من الأيام، فما بالنا الآن!، وقد أصبح الجوع حالة عامة، ونسب الفقر آخذة فى التزايد، وكأن الأمر كان مقصوداً منذ البداية، وهو إخضاع الجميع، وفى مقدمتهم تلك الفئة التى مازالت من خلال معظم الصحف تهلل وتسبّح بحمد الغلاء وسوء المعيشة وتسلط النظام، وكأنهم يستحقون فى النهاية ما يجرى لهم.

ما يجرى على الساحة الصحفية ومع الصحفيين أراه يمثل الفرصة الأخيرة لوجودهم بمنأى عن الاستحواذ والتبعية، كما هو الحال مع القنوات الفضائية، التى يتم طرد المذيعين منها على الهواء مباشرة، وكما هو الحال مع صناعة الدواء والألبان، وتوزيع الأرز والسكر، واحتكار المقاولات، ما يجرى كان يجب أن يكون بمثابة جرس إنذار، وأيضاً بمثابة حافز لشباب الصحفيين على الالتفاف حول نقابتهم، وذلك منذ أن عمد عواجيز المهنة إلى شطرها وذبحها بمؤتمرات خارجية مناوئة، تسترضى بها أولى الأمر، وتتنازل فيها عن الأرض، ثم بعد ذلك التجاهل الغريب للنقيب ومجلس النقابة وعدم دعوتهم لمؤتمر شرم الشيخ، الذى كان يناقش أثر الإعلام على توجهات الشباب، ثم ها هى الأوضاع تتطور إلى ما هو أسوأ فى تاريخ المهنة محلياً ودولياً.

أعتقد أن الهدف الأول من الأزمات المفتعلة مع النقابة قد تحقق، وهو إشغال المجلس بهمومه الشخصية، فكيف يمكن أن ينشغل بهموم المهنة؟، الهدف الثانى أيضاً قد تحقق، وهو ألا تستضيف النقابة أى أنشطة أو احتجاجات تتعلق بالرأى والتعبير، على الرغم من أنها نقابة رأى وتعبير أولاً وأخيراً، وقد رأينا من العواجيز من يصيح قائلاً: على الصحفى ألا يعمل بالسياسة!، أيضاً الهدف الثالث قد تحقق هو الآخر، وهو كسر إرادة الصحفيين، الذين لم يستطيعوا اتخاذ موقف جماعى، حتى فى أحلك اللحظات.

هناك أيضاً هدف رابع ألقى بظلاله على كل النقابات والأحزاب السياسية، وغيرها من التجمعات، من خلال سؤال محدد: إذا كانت هذه طريقة التعامل مع نقابة الرأى، فكيف بنا، بمعنى آخر «اضرب المربوط يخاف السايب»؟، وهى رسالة تمثل إرهاباً غير محسوب العواقب، إلا أن الدعوات السريعة التى أُطلقت من خارج مصر لضرورة نقل مقر اتحاد الصحفيين العرب من القاهرة تؤكد أنه قد غاب عن الجميع أن مثل هذه الممارسات تسىء إلى مصر فى الخارج أيما إساءة، وتخسر معها أيما خسارة، أى لا عزاء لأحد أياً كان، لا من النقابة، ولا من المتآمرين عليها.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف