الوطن
د. أحمد عبد الظاهر
المخزون الاستراتيجى.. تساؤلات مشروعة
شهدت مصر فى الآونة الأخيرة العديد من أزمات نقص السلع الغذائية والأدوية والمنتجات البترولية، بدأت بأسطوانات الغاز، مروراً بالأرز والسكر ولبن الأطفال، وجاء الدور أخيراً على الأنسولين المدعم، والبقية تأتى. وبالتزامن مع كل أزمة من هذه الأزمات، نسمع دائماً ذات العبارة، وهى أن «الأزمة مفتعلة، والمخزون الاستراتيجى يكفى لاستهلاكنا لخمسة أو ستة أشهر، ولا داعى للانزعاج مطلقاً». وبمناسبة التصريحات المنسوبة إلى وكيل نقابة الأطباء حول إصدار وزارة الصحة والسكان أوامر للمستشفيات باستخدام السرنجات أكثر من مرة، أكدت الوزارة أن «لديها مخزوناً استراتيجياً لتأمين احتياجات المستشفيات من المستلزمات الطبية يكفى لمدة عامين». عبارة واحدة لم تتعدل أو تتبدل فى كل الأزمات آنفة الذكر، الأمر الوحيد الذى يختلف من أزمة إلى أخرى هو المسئول الحكومى الذى يصدر عنه التصريح. والغالب أن يصدر مثل هذا التصريح عن وزير التموين فيما يتعلق بالسلع الغذائية، أو عن وزير الصحة فيما تعلق بلبن الأطفال والأنسولين وغيرها من المستلزمات الطبية. ولكن، بدأناً نسمع مثل هذه التصريحات من بعض المحافظين، وتحديداً محافظى دمياط والأقصر ومطروح. ومن ثم يثور التساؤل عن السبب الذى يدعو المحافظين إلى الحديث عن المخزون الاستراتيجى. ويبدو أن الأمر ليس سوى محاولة لطمأنة المواطنين.

ثمة تساؤلات أخرى تتعلق بتحديد السلع الضرورية أو السلع الاستراتيجية التى يلزم أن يشملها مفهوم المخزون الاستراتيجى، وكيفية بناء هذا المخزون، وما هى القواعد الحاكمة للسحب من المخزون الاستراتيجى، وما فائدة المخزون الاستراتيجى إذا لم يسهم فى التخفيف من وطأة الأزمات آنفة الذكر ولماذا لم يتم السحب منه لسد حاجة المواطنين من هذه السلع التى لا يمكن الاستغناء عنها أو تأجيل الحاجة لها. ونعتقد أن الإجابة عن التساؤلات آنفة الذكر إنما تكون من خلال قانون يحدد كافة الجوانب التنظيمية لهذا الموضوع الحيوى المهم، وذلك على نحو ما فعلت العديد من الدول الأجنبية. فعلى سبيل المثال، وفيما يتعلق بالذهب الأسود، أصدرت الولايات المتحدة الأمريكية قانون توزيع البترول فى حالات الطوارئ لعام 1973م، وقانون احتياطى النفط الاستراتيجى لعام 1975م. وقد صدر هذان القانونان فى أعقاب قيام العرب بمنع النفط عن الدول الغربية فى أثناء حرب أكتوبر 1973م. وفى القارة الأفريقية، أصدرت زامبيا القانون رقم 12 لسنة 1995م بشأن الاحتياطى الاستراتيجى من الغذاء. وعلى المستوى العربى، أصدرت جمهورية السودان الشقيقة قانون جهاز المخزون الاستراتيجى للسلع لسنة 2001م. وفى دولة الإمارات العربية المتحدة، وفيما يتعلق بالمستلزمات الطبية، صدر قرار مجلس الوزراء رقم (39) لسنة 2015 فى شأن المخزون الطبى الاستراتيجى. وفى ظل الأزمة الاقتصادية الحادة التى تمر بها مصرنا الحبيبة، نرى من الملائم أن نشير إلى بعض الوسائل الكفيلة بتقليص المصاريف الحكومية على الاحتياطى الاستراتيجى، والاستفادة من تجارب بعض الدول الأجنبية فى هذا الشأن. فعلى سبيل المثال، تجيز المادة الرابعة من قرار مجلس الوزراء الإماراتى بشأن المخزون الطبى الاستراتيجى للجهة الصحية فى حدود اختصاصها الجغرافى، إبرام اتفاقيات مع المنشآت الصحية والمؤسسات الصيدلانية الخاصة وأى منشأة أو مؤسسة أخرى، لتوفير الكميات اللازمة من الأصناف التى يشملها المخزون الطبى الاستراتيجى، على أن تحدد هذه الاتفاقيات كيفية إدارته بحيث تشمل مدة تخزين تلك الكميات والاحتفاظ بها وأسلوب تدويرها والإجراءات التى يجب اتباعها عند استخدام هذا المخزون.

وفى الختام، نتمنى أن يمارس البرلمان رقابة حقيقية على الإجراءات الحكومية بشأن بناء المخزون الاستراتيجى وإدارته وتدويره والسحب منه.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف