يوسف القعيد
معرض الكتاب قبل فوات الأوان
أتمنى لو سمح وقت رئيس مجلس الوزراء بقراءة رسالتى والاهتمام بأمرها. لما له من أهمية. أعرف حجم التحديات التى تواجهه. والصعاب التى يتعامل معها. والقضايا الخطيرة والشائكة التى تفرض نفسها عليه وعلينا. لكن مستقبل معرض القاهرة الدولى للكتاب مهدد إقامته هذا العام. وهذا المعرض لا يقل أهمية عن لقمة العيش وسعر الجنيه فى مواجهة سعر الدولار. وحربنا ضد التطرف والإرهاب. ونيران الأسعار اليومية. وكلها منظومة تشغل كل من يهتم بمصر، ويحرص على مستقبلها. لكن أهمية معرض الكتاب تتطلب منا أن نعطيه قدراً من الاهتمام وسط طوفان القضايا التى تطالعنا كل صباح.
ومعرض القاهرة الدولى للكتاب أقيم لأول مرة سنة 1969، بمبادرة من الأشقاء العرب. فكروا فى مشروع ثقافى فكرى يعبرون من خلاله عن تضامنهم مع مصر فى مواجهة العدوان الصهيوني. وعقدت دورته الأولى التى قالت للعدو وللدنيا إن مصر صامدة. وأن كل شبر من أرض الوطن ناله دنس الاحتلال. لا بد أن يتحرر.
هذا المعرض يكمل 47 عاماً من عمره. أى أنه بعد ثلاث سنوات يا ترى من يعيش سيكمل نصف قرن. ليعد أقدم مشروع ثقافى فى مصر والوطن العربى والأمة الإسلامية والعالم الثالث، وربما العالم. ولذلك فإن الوقوف معه والحرص على إقامته مسألة مهمة لأنه يحمل للدنيا رسالة مصر الناعمة. رسالة الحضارة وبناء الحياة والحب والسلام. وهى الرسالة التى عرفت بها مصر منذ الأبد وحتى الأزل.
لماذا أكتب هذا الكلام الآن؟ فى الأسبوع الأخير من يناير المقبل. والأسبوع الأول من فبراير سيعقد المعرض. حيث تقام حديقة بها ملايين الكتب تحمل أفكاراً نحن فى أمس الحاجة إليها. فإن كنا نحارب التطرف والإرهاب. وإن كان مصير مصر سيتحدد بنتيجة هذه المعركة. فإن المعرض رسالة مهمة للعقل المصرى والعربى تساعده على مواجهة قوى الظلام. والانتصار عليها فى نهاية الأمر.
لكن ثمة أمورا جديدة طرأت على الساحة أهمها إعادة تنظيم العلاقة بين الجنيه والدولار. وأنا هنا لا أقيم الخطوة ولا أقول رأيى فيها. المهم بعد تعويم الجنيه طرأت أوضاع جديدة. أصبح لدينا قبل التعويم وبعد التعويم. وأصبح التعويم تاريخاً فاصلاً بين عهدين. وهذا ترك ظلاله على عملية النشر وأسعار الكتب والإقبال عليها.
وفى كل دول العالم يوجد مكان ثابت لمعارض الكتب. لا تقام سوى فيه. لكننا ورغم أن مصر من أوليات دول العالم التى عرفت الطباعة. ليس لدينا هذا المكان. وتؤجر الهيئة المصرية العامة للكتاب من وزارة التجارة والصناعة جزءاً من أرض المعارض بمدينة نصر. والهيئة المصرية العامة للمعارض والمؤتمرات تطلب من هيئة الكتاب سبعة ملايين جنيه إيجار المكان الذى يقام فيه المعرض.
وهو مبلغ ضخم. وربما لا تستطيع الهيئة تسديده. وإن سددته، فسترفع إيجارات الأماكن على الناشرين الذين يشتكون من مشكلة أسعار الكتب هذا العام. فمن المعروف أن معظم الكتب التى تعرض فى المعرض واردة من الخارج. تأتى إلينا عبر الدولار وسيتم رفع أسعارها إن لم يكن قد تم فعلاً بنسب تصل من 20% إلي50% من الأسعار الأصلية. وهذا الأمر الطارئ يجعل الناشرين يفكر كل منهم ألف مرة قبل أن يشترك فى المعرض. مع أن استمرار المعرض تحد مصرى كبير. علينا جميعاً أن نتكاتف. وأن ننسى خلافاتنا من أجل ألا يتوقف المعرض.
لست فى حاجة يا سيادة رئيس مجلس الوزراء لأن أقول لسيادتك إن مصر دولة دور. وأن دورها دور ثقافى وحضاري. وإن فقدت مصر هذا الدور لا قدر الله ولا كان لم يبق لنا ما يمكن أن نعتبره دوراً لنا. لذلك فالكتاب فى أهمية رغيف العيش. وطبق الفول. وقرص الطعمية. هكذا كانت مصر. وهكذا يجب أن تظل وتستمر. لا يمكن إنكار أن جمال عبد الناصر قاد الوطن العربى والأمة الإسلامية. بل والعالم الثالث بالكتاب والمجلة والجريدة والاسطوانة والفيلم السينمائى والعرض المسرحى ولوحة الفن التشكيلي. إن هذا الخيال المصرى هو الذى جعل من مصر مصر. وهو القادر على أن يوفر لها الاستمرار والفعالية فى عالم تغير كل ما فيه. وما يجعلنى أكتب هذا الكلام ولدى إحساس بالاطمئنان اهتمامك بصناعة السينما. وأن رئيس مصر الرئيس عبد الفتاح السيسى يراهن على تجديد الخطاب الثقافي، وتجديد الخطاب الديني، واستعادة إسم مصر ودورها وإعادة الاعتبار لمصر.
ثم إن موضوع المعرض هذا العام: الشباب وثقافة المستقبل. الذى يحاول التقاط الخيط من الملحمة الكبرى التى جرت فى شرم الشيخ. ونقلها إلى معرض القاهرة الدولى للكتاب. وشخصية العام، هى شاعر مصر الكبير: صلاح عبد الصبور. أحد من طوروا الشعر العربى المعاصر. وأهم من كتب المسرحية الشعرية بعد أحمد شوقي. وضيف الشرف المغرب الشقيق. بما يعنى التواصل الحقيقى بين ثقافة مصر ومحيطها العربى والتأكيد من جديد على صلة الحرف والثقافة والحلم العربي.
الأمر يحتاج لهمتكم واهتمامكم حتى يقاوم الناشرون حالة العزوف التى يمرون بها عن المشاركة فى المعرض. وحتى يصل إلينا الأشقاء المسلمون والعرب. ودور النشر العالمية. التى جعلت العالم يضع معرض القاهرة الدولى للكتاب فى مركز متقدم بين معارض الدنيا. فهو الآن الثالث أو الرابع على مستوى العالم كله. وهو إنجاز حضارى علينا أن نهتم به.
إنسانية المخابرات العامة
النعى الذى نشره جهاز المخابرات العامة فى صحفنا المصرية فى وفاة الفنان محمود عبد العزيز أكد لى - مجددا أن مصر تتغير. وأنها تتغير للأحسن. وأنها تتقدم إلى الأمام. فربما كانت المرة الأولى التى ينعى هذا الجهاز فناناً لعب دوراً مهماً فى مسلسل: رأفت الهجان بأجزائه الثلاثة. وهو المسلسل الذى هز الوجدان المصرى وواجه حملات التشكيك الموجهة لأمننا. وجعلنا جميعاً نضع أيدينا على معنى الوطنية المصرية التى يحرسها ويصونها رجال الأمن.
لم يكن عمل محمود عبد العزيز دعائياً. ولكنه قدم جزءاً من الحقيقة الضخمة والعملاقة لمن يحرسون مصر فى صمت وبعيداً عن الأعين. ولا يعنيهم الإعلان عما يقومون به.