عندما نشبت أزمة نقابة الصحفيين ووزارة الداخلية، قلت: قد يكون للداخلية حق ضبط من تريد، لكن كان من الكياسة والاحترام أن تعود وتستأذن قيادات النقابة قبل الدخول، خاصة وأن نقيب الصحفيين قد اتصل ببعض قيادات الأمن وأخبرهم بوجود الزميلين، واتفق معهم على تسليمهما صبيحة يوم التالي لإجازة شم النسيم، قيادات الداخلية عادت للجهات السيادية، ووجدت الأخيرة فرصتها فى الانتقام، ورد صفعة خروج مظاهرة حاشدة من أمام النقابة ضد تيران وصنافير، فأمرت أجهزة الأمن بالمداهمة دون الرجوع لمجلس النقابة.
أمس الأول صدر حكم ابتدائي ضد قيادات النقابة فى سابقة لم تشهدها مصر ولا أى دولة، حتى دول الواق الواق، والطريف أن الحكم الصادر ضد نقيب الصحفيين ووكيل وسكرتير النقابة، جاء بعد قيام ثورتين، وصدر فى عهد الرئيس عبدالفتاح السيسى، وسيسجل التاريخ أن حرية التعبير تشهد أسوأ حالتها فى عصره، وأن أجهزة الدولة تعمل، منذ بداية توليه، على تقييد الحريات بشكل عام، وبأساليب مختلفة: تكميم الأفواه، الاختفاء القسرى، تصفية البعض، تشويه صورة المعارضين، تسريب مكالماتهم، اتهامات بالعمالة والخيانة والتمويل، تلفيق القضايا، الدفع بالبعض للسيطرة على المشهد الإعلامي، وغيرها من الأساليب القمعية والديكتاتورية.
بعون الله سوف يلغى هذا الحكم فى الاستئناف، وستنتصر النقابة، وستظل هامة الصحفيين أعلى من جميع هامات أغلب قيادات هذا البلد، لماذا؟، لأن الصحفي هو الذى يبصر المواطن البسيط بفساد الحاكم وبطانته، فقد تصدى الصحفيون لسنوات طويلة لنظام مبارك، كشفوا خلالها عن الفساد، والشللية، وزواج رأس المال بالسلطة، والتوريث، ونهب ثروات البلاد وتوزيعها على بطانة الحاكم، الصحفيون هم الذين وقفوا بأقلامهم لنظام مبارك، ونظام الإخوان، كشفوا عن سلبياته وعوراته ومخالفاته وبطشه وتجاوزاته، وهيأوا الشباب والشعب للخروج والإطاحة بالنظام، لولا الصحافة ما كانت هناك ثورة يناير ولا 30 يونيو، ولا كان الرئيس، ولا كانت الحكومة، ولا قيادات الأجهزة، ولا النظام الحالي، الصحفيون هم الذين منحوا الشرعية لهذا النظام، وهم الذين سيواجهونه وسيتصدون لقياداته عندما يجورون على الحريات العامة وينتقصون من حقوق المواطنين.
المواطن المصري يعرف ما هي الصحافة، وما هو دورها، وما الذي يقدمه الصحفي للمواطنين وللوطن، كما أنه يعرف بفطنته وحسه البسيط الشريف من هو الفاسد فى هذا الوطن، وبحمد الله فإن 99% من صحفيي مصر وكتابها شرفاء يعيشون على الفتات ويتحملون شظف الحياة هم وأولادهم برضا وقناعة، والمواطن المصري يعلم كذلك أن نسبة الشرفاء في مهنة الصحافة أكبر بكثير عن مثيلتها في جهات ومؤسسات بعينها.