المساء
مؤمن الهباء
حلم لم يكتمل
وجهت روسيا ضربة شديدة في رأس المحكمة الجنائية الدولية بإعلان انسحابها منها.. واتهامها بالفشل في تحقيق العدالة التي تأسست من أجلها.. كي تحاكم المتسببين في الإبادة الجماعية والجرائم التي ترتكب ضد الإنسانية وجرائم الحرب.
هذا الانسحاب الروسي جاء مثل الضربة التي قصمت ظهر البعير.. وجعلت العالم يعيد التفكير في تاريخ هذه المحكمة التي كان مجرد ذكر اسمها يثير الرعب لدي الطغاة والمستبدين.. الملطخة أياديهم بدماء شعوبهم.
فمنذ بداية تأسيس المحكمة بدا واضحا أن دورها ينحصر في الدول الصغيرة والضعيفة.. بينما الدول الكبري بعيدة تماما عن متناول يدها.. كان هذا واضحا عندما رفضت دول مثل الصين وأمريكا وإسرائيل التوقيع علي ميثاقها والانضمام إليها.. في حين كانت تمارس الضغوط علي دول أخري للانضمام والتوقيع علي معاهدة التأسيس.
وبالممارسة العملية.. شعرت شعوب عديدة بالغضب تجاه هذه المحكمة الدولية التي تتعامل بازدواجية هائلة في المعايير.. فهي تركز علي دول أفريقيا الضعيفة الفقيرة.. وتعمل جاهدة علي معاقبة الصغار فقط.. بينما تقف عاجزة أمام الجرائم التي ترتكبها الدول الأخري "الكبري".. فهي تملأ الدنيا ضجيجاً من أجل إلقاء القبض علي الرئيس السوداني عمر البشير بسبب اتهامات تتعلق بجرائم الحرب في بلده.. لكنها في الوقت نفسه لا تنبس بكلمة عن الجرائم التي ارتكبها بوش الابن - مثلا - في أفغانستان والعراق.. ولا تقوم بأي دور من أجل آلاف الأطفال والنساء الذين يموتون الآن في سوريا والعراق واليمن.
وشيئا فشيئا.. اتضح أن محكمة الجنايات الدولية مثل كل المنظمات المنبثقة عن الأمم المتحدة.. تمارس دورها بانتقائية مقيتة.. تستأسد علي الشعوب والدول الصغيرة ولا تستطيع مواجهة الدول الكبري التي تقدم التمويل اللازم لهذه المنظمات.. وبالتالي تمتلك القرار المؤثر فيها.. وتتحكم في مسارها.. وفي مقدمة هذه المنظمات مجلس الأمن المنوط به حماية السلم والأمن الدوليين.. لكنه لا يتحرك إلا ضد الصغار.. وقرارات الفصل السابع لا تصدر إلا في مواجهة الطغاة الذين انتهت مهمتهم وانتهي دورهم.. وصار ضرورياً التخلص منهم.
الخارجية الروسية أعلنت سحب توقيعها علي النظام الأساسي للمحكمة.. وهدد الرئيس الفلبيني أيضا بانسحاب بلاده من المحكمة علي غرار رسيا.. مؤكدا أن المحكمة لا تعاقب إلا الصغار.. وأن بلاده ستكون أول المغادرين من المنظمة الدولية إذ قررت روسيا والصين صياغة نظام عالمي جديد.
وكانت جامبيا "الأفريقية" قد أبلغت المحكمة الجنائية الدولية بأنها ستنسحب منها اعتبارا من 10 نوفمبر ..2017 لتكون بذلك الدولة الأفريقية الثالثة - بعد جنوب أفريقيا وبوروندي - التي تنسحب من المحكمة.. وبررت قرارها بأن المحكمة متحيزة ضد القارة السوداء.. لأنها تحقق في 9 من إجمالي 10 قضايا تنظرها المحكمة في أفريقيا.. الهدف منها إذلال الأفارقة.
ووصل الأمر إلي اقتراح قدمته كينيا في يناير الماضي يقضي بانسحاب أفريقي جماعي من المحكمة الجنائية بسبب "ازدواجية المعايير".. وقال الرئيس التشادي إدريس ديبي إن المحكمة الدولية لا تستطيع أن تقيم العدل إلا علي الأفارقة فقط.. بينما عبر الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون عن أسفه لقرارات الانسحاب المتوالية من المحكمة.. وقال إن انسحاب بعض الدول قد يبعث برسالة خاطئة بشأن التزامها بالعدالة.
ورغم كل ذلك.. فإن انسحاب روسيا سيكون واقعاً قوياً للعديد من الدول كي تفكر جدياً في الانسحاب من المحكمة التي تأسست في عام 2002 وتضم في عضويتها 132 دولة.. ولم يعد مستبعدا أن تتوافق روسيا وأمريكا خلال حكم ترامب علي هدم المحكمة بالكامل.. باعتبار أنها كانت تمثل حلما جميلا لم يتحقق.. حلم محاكمة الطغاة والمستبدين الذين يرتكبون جرائم ضد الإنسانية.. بصرف النظر عن مواقعهم القيادية التي قد تعطيهم حصانة في فترة ما.. فالمبدأ دائماً أن الجريمة لا تسقط بالتقادم.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف