د. محمود خليل
المصالحة المستحيلة.. من تانى!
الإشارات التى تم الاستناد إليها فى الحديث عن مصالحة متوقعة بين النظام وجماعة الإخوان حمّلها البعض أكثر مما تحتمل، بدءاً من بيان الدكتور البرادعى، ثم الظهور المفاجئ للمشير طنطاوى فى ميدان التحرير يوم 11/11، وانتهاء بحوار إبراهيم منير القيادى بجماعة الإخوان لموقع «عربى 21». ويبدو أن حديث البعض عن هذا الأمر يحمل فى طياته حزمة أمنيات أكثر مما يعبر عن حقائق شاخصة على الأرض. قلت لك -قبل سابق- إن المصالحة بين الجماعة بقياداتها الحالية، والسلطة التى تحكم مصر فى وقتنا هذا، تكاد تكون مستحيلة. وظنى أن أياً من الطرفين لا يقوى على مواجهة أنصاره بأمر المصالحة، ومن سيفعل ذلك فإنه يسير فى طريق الخسران المبين لهؤلاء الأنصار، إن لم يكن يسير فى طريق النهاية!.
ليس بمقدور السلطة فى مصر أن تقدم على هكذا خطوة، قبل أن تملك إجابة عن سؤال أساسى: كيف تغير موقفها من جماعة الإخوان التى وصفتها بأنها تنظيم يغرد خارج السرب الوطنى، ويعادى الدولة المصرية، ويستخدم فى مواجهتها ميليشيات إرهابية تسببت فى إهدار الأرواح، وتعطيل السياحة، وخمول الاستثمارات، ما الأسباب التى دعتها إلى هذا التحول فى اللحظة الحالية؟. لقد اكتسبت السلطة الحالية جانباً لا بأس به من شرعيتها من محاربة الجماعة، بل قل إنها تأسست على ذلك، لو كنت نسيت دعنى أذكرك أن أصل شرعية النظام الحالى ترتبط بالتفويض الذى طلبه الرئيس «السيسى» -حين كان وزيراً للدفاع- من المصريين لمواجهة أى إرهاب محتمل فى 26/7/2013. وليس فى طاقة قيادات الإخوان مواجهة قواعدها بفكرة المصالحة قبل أن تجيب عن السؤال: لماذا؟.. لماذا دفعت الجماعة بشبابها وأنصارها إلى الاحتشاد فى الميادين -بعد عزل الدكتور مرسى- ووضعتهم فى مواجهة مع قوى الأمن، الأمر الذى تسبب فى إهدار أرواح المئات، وسجن الآلاف، لماذا تنكص الجماعة على عقبيها الآن، وترفع شعار «الصلح خير»، وهى التى ظلت تحرض أتباعها وأنصارها طيلة السنوات الماضية على التمرد على نظام ما بعد 30 يونيو؟.
أعلم ما تتمتع به فكرة «المصالحة» من وجاهة أخلاقية من منظور البعض، وليس فى مقدور أحد أن يلومهم على ذلك، لكن لكل مصالحة شروط وظروف وسياقات، لا بد أن تتوافر أولاً حتى يستطيع الطرفان المتخاصمان الوصول إلى هذه النتيجة، وسوف يظل أمر «المصالحة» مستحيلاً حتى تتغير الظروف والسياقات وتتوافر الشروط الملائمة. وأى حديث سابق لهذا يصح النظر إليه كنوع من المناورة السياسية التى تستهدف إطلاق بالونات اختبار لجس نبض أطراف محلية أو إقليمية أو دولية، أو نقل رسائل معينة تستهدف خدمة أهداف محددة فى توقيت خاص. وخلاف ذلك أخشى أن يفسر البعض مسألة الحديث عن المصالحة فى سياق «الغلوشة السياسية» على قضايا أصبحت تقض مضجع المواطن حالياً الذى أصبح فى حيرة من أمره، حين ينظر إلى الكيفية التى يمكن أن يدبر بها معيشته بعد طوفان الغلاء، أو حين يخرج باحثاً -على كعوب رجليه- عن سلعة لا يجدها أو دواء شح من الأجزاخانات، وهو يدندن بمونولوج محمود شكوكو «جرحونى وقفلوا الأجزاخانات.. لا قالولى إزيك ولا سلامات»!.